• الجمعة. نوفمبر 22nd, 2024

ريبورتاج: الجماهير المغربية تقف وقفة رجل واحد خلف “أسود الأطلس”

كلمات دالّة: مونديال قطر 2022, كرة القدم, منتخب المغرب, وليد الركراكي, للمزيد, منتخب فرنسا

فخور بفريقه وإنجازه الخرافي أمام إسبانيا في ثمن النهائي، ثم البرتغال في ربع النهائي، وهو الآن متفائل بقدرته على تخطي فرنسا حاملة اللقب في المربع الذهبي، وكأن المرشح بامتياز للفوز بتأشيرة النهائي ليس كيليان مبابي ولكن زميله في نادي باريس سان جرمان وصديقه أشرف حكيمي.. تلكم هي الحالة النفسية للجمهور المغربي ومن يساندون “أسود الأطلس” في مونديال قطر 2022 لكرة القدم، قبل المواجهة الحاسمة أمام “الديوك” الأربعاء.  

“أسود الأطلس”؟ “لقد شرّفونا وشرّفوا الكرة الأفريقية والعربية، ونحن فخورون بهم ونثق بقدرتهم على تحقيق المزيد. “المنتخب الفرنسي؟ “سيعود إلى بلاده عقب المباراة أمام المغرب، تماما كما فعلت إسبانيا وبعدها البرتغال”.. بات أنصار المنتخب المغربي حديث الساعة في الدوحة وموضع اهتمام الصحافة الدولية، فتراهم يتحدثون إلى مختلف وسائل الإعلام معربين عن امتنانهم لمنتخبهم الوطني الذي أبهر عالم كرة القدم بمردوده البطولي في مونديال قطر 2022، وتكرار الإنجازات على مر المباريات والأدوار.

1- ثلاثة أصدقاء جاءوا من باريس لمؤازرة المغرب في مونديال قطر 2022. © فرانس24

فترى هذا الجمهور وهو يجوب شوارع العاصمة القطرية بفخر، مرتديا القميص الأحمر وملفوفا بالعلم الوطني، يتذوق لذة لحظات تاريخية ستبقى راسخة في ذهن كل صغير أو كبير، وتسمع هتافاته تتعالى في السماء تعبيرا عن فرحته الشديدة بمشوار “الأسود” المذهل في البطولة العالمية. وعندما يضيق صدر ذلك المشجع أو ذاك، يهرع إلى “سوق واقف” القلب النابض للدوحة، بحي مشيرب الراقي، حيث يلتقي السياح والأهالي، في أزقة تتسع للآلاف وبقلوب مرحبة. 

ما من شبر في السوق إلا وقد اجتمع فيه بعض الشباب أو احتشد كثيرون، وسارع “المصورون” إلى تشغيل هواتفهم الجوالة لأجل التقاط صور أو مقاطع فيديو تُتم طواف العالم في ثمانين ثانية. فلا مكان أفضل بالدوحة لجس نبض المشجع المغربي.

إنجاز أم معجزة؟

وأعربت إحدى المشجعات وظهرها مغطى العلم الفلسطيني عن فخرها بما قام به الحارس ياسين بونو وزملائه. فيما قالت صديقتها التي جاءت من إسبانيا إن هذا الإنجاز “معجزة”، وأنها لا تكاد تصدق بأن المغرب أزاح إسبانيا والبرتغال عن الطريق، وأنه بلغ المربع الذهبي في كأس العالم، فتدخلت سارة فجأة وأكملت الحديث نيابة عن الشابتين اللتين لم يكن لهما خيار آخر سوى مواصلة الطريق بعد التحية.

سارة حضرت للدوحة من أغادير، وهي متفائلة بفوز المغرب على فرنسا في نصف النهائي. 11 ديسمبر/كانون الأول 2022. © فرانس24

بدأت سارة الحديث بطلاقة، والأفكار تتسارع في رأسها، والحماس يظهر على وجهها، والكلمات تتسلسل على لسانها. سارة، أستاذة الرياضة البالغة 38 عاما والتي وصلت صباح السبت إلى الدوحة قادمة من أغادير، المدينة الواقعة على الساحل الأطلسي جنوبي المملكة، كانت في مدرجات ملعب الثمامة خلال فوز النصيري وزملائه على كريستيانو رونالدو ورفاقه. وجزمت بالقول إن المغرب “سيفوز بكأس العالم لأنه يملك لاعبين ممتازين يؤدون مهمتهم على أحسن وجه، ولأن الركراكي مدرب رائع”.

وتابعت: “سنحطم كل المنتخبات، ومبابي سيتعرض لإصابة في الساق..”. بدوره، تدخل حميد فجأة ليؤكد تصريحات جارته، مشيرا إلى أنه جاء من باريس وأن عمره 38 عاما، ثم يفسح المجال  لآخرين ويتابع طريقه للأمام.. فهذا للتأكيد على “دعم العرب” لـ “الأسود” وذاك للإشادة بـ “التنظيم القطري الجيد لكأس العالم”. فالقضية باتت جيوسياسية، وغالبا ما تسمع في الدوحة إن “مونديال قطر هو مونديال العرب”! لا بأس.  

وليد الركراكي بين أحضان لاعبين بعد الفوز على البرتغال في ربع نهائي مونديال قطر. 10 ديسمبر/كانون الأول 2022. © رويترز

صراع على شرفات المقاهي.. وضجيج في أزقة “سوق واقف”

ومع اقتراب العصر، يزداد الضجيج في “سوق واقف” وتتضاعف الحركة ويشتد النشاط التجاري ليبدأ التنافس بين الزوار والسياح والمشجعين والمتسوقين لانتزاع مكان في شرفات المحلات والمقاهي والمطاعم. ويبرز “الأحمر” المغربي أكثر من غيره ضمن “ألوان” مونديال قطر 2022، وترتفع أصوات أنصار المغرب من مختلف الجهات ويستمر روتين “الذهاب والإياب” نحو الكورنيش أو باتجاه “مشيرب قلب الدوحة”، وسط فوضى الإثارة الرياضية التي تعكس حمى العرس العالمي الذي استولى على قطر منذ 20 نوفمبر/تشرين الثاني.   

أمام ميكرون فرانس24 يتجمع المشجعون ويطلقون الشعارات الداعمة لـ “أسود الأطلس” و”يتوعدون” المنتخب الفرنسي. وذلك ما فعله الثلاثي القادم من باريس، إذ قال أحدهم “يا فرنسا، لقد جاء دورك في الخروج”، وأضاف زميله “لقد عشنا لحظات رائعة أمام البرتغال، ونحن مقبلون على قضاء أوقات ممتازة أمام فرنسا، سنهزم فرنسا كما هزمنا كبرى المنتخبات في هذه البطولة، وسنحتفل بالتتويج في جادة الشانزيليزيه ثم نعود للدوحة للفوز على الأرجنتين وندخل التاريخ”.

أمين قضى 14 ساعة بين مونتريال والدوحة بهدف تذوق طعم كأس العالم. © فرانس24

وما إن سمع أيرود نغمة الانتصار حتى تقدم إلينا ليؤكد أنه وزملائه سيتذوقون عصير “الأفوكادو” على يد المدرب وليد الركراكي، وقال: “لقد أصبح الفوز لدينا عاديا، فسنهزم الجميع ونرفع الكأس”. أما صديقه أمين، فقد قطع 14 ساعة في الطائرة، من مونريال إلى الدوحة، لأجل حضور فرحة التتويج، وقال “لا نكاد نصدق ما يحدث، نحن في نصف نهائي كأس العالم ونتعامل مع ذلك كما أنه أمر طبيعي”.

عصفوران بحجر واحد

واصل أمين طريقه، فجاء دور محمد ليقترب من فرانس24، وهو لبناني مقيم في باريس حضر إلى الدوحة ليصطاد عصفرين بجحر واحد: زيارة شقيقه بقطر وتشجيع المنتخب الفرنسي. وأشاد محمد بأجواء المونديال القطري، وهنأ المغرب على مشواره التاريخي، لكنه رفض الخوض في أي توقعات بشأن هوية الفائز بين “الديوك” و”الأسود” في نصف النهائي.

علي، مغربي من أغادير مقيم في قطر. 10 ديسمبر/كانون الأول 2022. © فرانس24

ونحن نمشي باتجاه مشيرب، التقينا بمجموعة من المشجعين جاؤوا من أغادير يتقدمهم علي مرتديا قميص المنتخب، وهم يتبادلون الحديث بصوت منخفض ويبتسمون، وعلامات الفرحة طاغية على وجوههم. فيتوقف علي أمامنا بشوشا ليستذكر مشاهد الفرحة التي عاشها منذ انطلاق البطولة، مهنئا فريقه على مشواره الجميل.

وقال علي مازحا: “حكيمي صديق مبابي، فعليهما تبادل المعلومات عن المواجهة بينهما”. ليتابع: “أتوقع أن تكون المباراة أمام فرنسا تكتيكية بحتة، وأتمنى أن تنتهي في وقتها الرسمي وأن المغرب سيفوز 2-1، لأن الفريق متماسك ولأنه سيحظى بدعم الرجل الثاني عشر وهو الجمهور، هل تتخيل الحماس في الملعب عندما يهتف الجميع “سير، سير’ّ!”

وأوضح علي أن “سير، سير” تعني “إلى الأمام”، وهي عبارة يحبها وليد الركراكي واعتاد سماعها في الملاعب المغربية عندما كان مدربا في الفتح الرباطي ثم بالوداد البيضاوي. وشدد علي على “الدعم الأفريقي، ولدى العرب والأمازيغ.. فقد أصبح مصدر فخر للجميع”، متمنيا أن تحذو منتخبات أفريقية أو عربية حذو منتخب بلاده في المنافسات الدولية.  

3- حماس المشجعين المغربيين ليس له حدود. © فرانس24

كرة القدم لم تعد حكرا على بعض المنتخبات

وبجانبه، أشاد أبو سيف بأن المغرب أثبت بأن كرة القدم لم تعد حكرا على بعض المنتخبات، وأن اللعبة باتت مفتوحة أكثر من أي وقت مضى، معربا عن فرحته بعقلية اللاعبين المغاربة خلال مونديال قطر.

ودعنا علي ومجموعة أغادير، فوجدنا أمامنا أحمد (36 عاما) الخبير القضائي في ميامي الأمريكية ويوسف (42 عاما) الطبيب في غرونوبل الفرنسية، وهما فرنسيان ومغربيان في الحد ذاته. فإلى أين يميل القلب؟ “للمغرب!”. وقال الثنائي: “ولدنا في فرنسا لكن دمنا مغربي”.

الطبيب يوسف وأحمد الخبير القضائي بسوق واقف في الدوحة. 11 ديسمبر/كانون الأول 2022. © فرانس24

لكن يوسف استدرك قائلا: “لا يمكنك الاختيار بين الأب والأم، لكن فرنسا فازت بالكأس مرتين، ونحن نتمنى أن يفوز المغرب هذه المرة”. وأشار أحمد أنه دائما يشجع فرنسا، إلا أن الأمر مختلف في هذه المناسبة، وأن المغرب على أبواب إنجاز تاريخي، مضيفا أن المواجهة هي بمثابة المعركة “بين داوود وجالوت” وأن “الأسود” يحظون بدعم عالمي واسع لأنهم “حققوا مفاجأة غير مسبوقة” في المنافسة. وختم يوسف قائلا: “إنهم رائعون ويلعبون بصدق، يحيا المغرب وتحيا فرنسا وليكون الفوز للأفضل”.

تركنا “سوق واقف” وتركنا الضجيج وراءنا، لتستمر أجواء الرياضة والإثارة بشوارع الدوحة، حيث ينتابك الشعور بأن الجميع هنا يتمنى وينتظر فوز المغرب بكأس العالم حتى تكتمل فرحة القطريين بتنظيم مونديال 2022. فتلك أفضل هدية يمكن لـ “ممثل العرب وأفريقيا” أن يقدمها للبلد المضيف، على حد تعبير الكثيرين.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *