في الوقت الذي أصبح فيه المنتخب الفلسطيني أقرب من أي وقت مضى لحجز بطاقة التأهل إلى كأس العالم المقررة في عام 2026، فإن فرصة اللعب في المكان الذي ينتمي إليه تعني الكثير رغم الأوضاع الحالية الصعبة هناك.
نجح رامي حمادة فيما فشل فيه العديد من أفضل حراس المرمى في العالم- منع نجم فريق توتنهام هوتسبير الإنجليزي سون هيونغ مين من هز الشباك. لكن، قبل أيام قليلة من مساعدة المنتخب الفلسطيني في تحقيق تعادل حاسم وتاريخي بنتيجة 0-0 في كوريا الجنوبية يوم الخميس الماضي، كان رامي حمادة يتدرب بمفرده في القدس أثناء بحثه عن فريق جديد على خلفية الحرب الدامية بين إسرائيل وحماس، وهي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
وقال حمادة في تصريحات خص بها DW:”إنه أمر صعب. الحرب هي أسوأ شيء في العالم. الجميع في كل مكان يريدون العيش في سلام. لا أريد أن أرى أبناء شعبي يموتون بهذه الطريقة، الأطفال والنساء والرجال. ليس من السهل رؤية ما نراه كل يوم”.
وتابع:”لكننا نستمد قوتنا وإيجابيتنا من هؤلاء الذين يدعموننا. نحن نلعب حقا من أجل هؤلاء الأشخاص، الذين هم تحت وطأة الحرب الآن، وآمل أن تتوقف قريبا”.
حلم كأس العالم للفلسطينيين يقترب
ولدى المنتخب الفلسطيني فرصة حقيقية للتأهل إلى كأس العالم في عام 2026 في أمريكا وكندا والمكسيك، فقد وصل إلى الدور الثالث من تصفيات آسيا، نتيجة توسيع البطولة وزيادة حصة (المنتخبات المؤهلة) من آسيا إلى الضعف.
يشار إلى أن الأمم المتحدة لا تعترف بفلسطين كدولة، لكنها عضو في الاتحاد الدولي لكرة القدم منذ عام 1998. ويحتل المنتخب الفلسطيني حاليا المركز 96 في تصنيف الفيفا العالمي.
ويمكن للمنتخب الفلسطيني التأهل من خلال احتلال المركزين الأول أو الثاني، في مجموعة تضم أيضا الأردن والعراق والكويت وعمان و كوريا الجنوبية. وحتى المنتخبات التي تحتل المركزين الثالث والرابع تحصل على فرصة أخرى للتأهل. وكانت تصديات الحارس رامي حمادة في أصعب مبارياتهم (أمام كوريا الجنوبية) بداية قوية.
وقال رامي حمادة:”حتى لوكانت لدينا فرصة بنسبة 0.001 بالمئة، فإننا سنقاتل للوصول إلى كأس العالم، لأننا أناس نحب أن نعيش الحلم”.
ورغم أن المنتخب الفلسطيني لديه رسميا خمس مباريات على أرضه في المجموعة، بيد أنه يلعب حاليا تلك المباريات في مدينة كوالالمبور الماليزية. وذلك رغم موافقة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، والاتحاد الآسيوي لكرة القدم على إقامة مباريات المنتخب الفلسطيني في تصفيات كأس العالم 2026 على أرضه لأول مرة منذ خمس سنوات.
“أعتقد أنه في المستقبل سيكون ذلك ممكنا”. هذا ما قاله حارس المرمى حمادة، الذي من المقرر أن يخوض مع منتخبه المباراة المقبلة على أرضه أمام المنتخب الكويتي في الـ 15 من أكتوبر/تشرين الأول.
وتابع:”لقد قال رئيس اتحادنا إن المباراة المقبلة ستكون، إن شاء الله في فلسطين وطننا. وهذا يجعلنا أقوى، فاللعب على أرضنا سيكون شعورا رائعا بالنسبة لنا. نحن نستمد قوتنا من جماهيرنا وستكون المدرجات ممتلئة”. وأضاف:”ولكن الأهم من ذلك، أنها على أرضنا، وإذا لعبت على أرضك فهذا أمر مختلف”.
الباب مفتوح للعودة إلى الوطن
وستكون التحديات اللوجيستية للعودة إلى الوطن ضخمة وربما لا يمكن التغلب عليها، حسب الصحفي باسل مقدادي الذي يُدير موقع “فوتبول فلسطين”. لكن الأسئلة الأخلاقية تظل أكبر.
فأحد أقدم ملاعب كرة القدم في غزة، ملعب اليرموك، تم استخدامه كمعسكر اعتقال من طرف القوات الإسرائيلية، كما أظهرت صور مروعة تم نشرها في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتُقدر اللجنة الأولمبية الفلسطينية الآن مقتل 400 رياضي في الحرب.
وبينما اتخذت (الفيفا) بعض الإجراءات بشأن إقامة مباريات المنتخب الفلسطيني على أرضه، فإن المنظمة الدولية الكروية التي يرأسها جياني إنفانتينو قد أجلت التعامل مع الأمر مرارا وتكرارا. وكان آخر ذلك في الـ31 في أغسطس/آب، حيث دعا الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم إلى تعليق عضوية إسرائيل. ويرى الصحفي الفلسطيني باسم مقدادي أن هذا أمر غير مقبول.
وقال:”لقد احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل غير قانوني على الأقل منذ ما يقرب من 60 عاما، ولم يكلفها ذلك عضوية الاتحاد الدولي لكرة القدم. وبالنظر إلى الفظائع الموثقة التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وضد لاعبي كرة القدم وضد مؤسسات كرة القدم…فإن هذا يجعلك تفكر أن السماح للفلسطينيين باللعب في ديارهم بمثابة تعويض”.
في الواقع، وبالإضافة إلى الحدود المعترف بها دوليا لإسرائيل، فإنها تحتل الضفة الغربية ومرتفعات الجولان منذ عام 1967. كما أن لديها أيضا مستوطنات في كلا المنطقتين. وبموجب القانون الدولي، يعد هذا غير قانوني.
وبينما انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005، إلا أن قواتها متواجدة في القطاع منذ الهجوم الإرهابي، الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي.
وتنفي إسرائيل أنها تحتل أي أراض فلسطينية بشكل غير قانوني. وكانت محكمة العدل الدولية قد أصدرت رأيا استشاريا في يوليو الماضي مفاده أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني. فيما وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قرار المحكمة بأنه “قرار أكاذيب”.
كما أن المقارنة بين حرب روسيا على أوكرانيا، والحرب بين إسرائيل وحماس مُعيبة، كما يرى ذلك العديد من المراقبين. ففي حين أن أوكرانيا لم تهاجم روسيا في البداية، فإن الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحماس اندلعت بسبب أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عندما قاد مسلحون من حماس توغلات داخل إسرائيل، وهو ما أدى إلى مقتل نحو 1200 شخص، واحتجاز نحو 250 رهينة معظمهم من المدنيين.
قرار الفيفا المتوقع في أكتوبر
وقدم الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم اقتراحا لتعليق عضوية إسرائيل في شهر مايو/ أيار الماضي. ووعد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) باتخاذ إجراء في يوليو/ تموز، ثم مرة أخرى في أغسطس/ آب. لكن (فيفا) يقول الآن إنه سيتم اتخاذ القرار في أكتوبر/ تشرين الأول.
ومثل هذه التأخيرات تعني أن إسرائيل كانت قادرة على المشاركة في منافسات كرة القدم بأولمبياد باريس 2024. كما أنها تنافس حاليا في دوري الأمم الأوروبية.
وقال الاتحاد الدولي لكرة القدم: “لقد تلقى الفيفا التقييم القانوني المستقل لمقترحات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ضد إسرائيل”. وأضاف:”سيتم إرسال هذا التقييم إلى مجلس الفيفا لمراجعته حتى يمكن مناقشة الموضوع في اجتماعه المقبل الذي سيُعقد في أكتوبر/ تشرين الأول”.
ونفت إسرائيل اتهامات الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. ووصف رئيس الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم، موشيه زوايرس الأمر بأنه”محاولة سياسية وعدائية ساخرة من الاتحاد الفلسطيني للإضرار بكرة القدم الإسرائيلية”.
“رسائل من الوطن”
وقال الصحفي باسل مقدادي إنه بالنظر إلى الظروف، فإن وصول المنتخب الفلسطيني إلى الدور الثالث (والأخير) من التصفيات المؤهلة لكأس العالم يُعتبر أمرا مذهلا. وأضاف: “أعتقد أن هذا يعكس شخصية الفريق، وعقلية الفريق، وأيضًا جودة واحترافية اللاعبين المشاركين”.
ويعد حارس المرمى حمادة مثالا جيدا على ذلك. فبينما يلعب العديد من لاعبي المنتخب الفلسطيني في الخارج لا سيما في ليبيا، فإنه لا يزال عدد قليل منهم في وطنهم. ويعد حمادة واحدا من هؤلاء، فقد مضى عام دون أن ينضم إلى أي فريق. كما أنه يتدرب في صالة رياضية محلية مع مدرب حراس مرمى، بيد أنه ما زال قادرا على اللعب بأعلى مستوى.
ويرى حمادة أن لعب التصفيات، والمشاركة في كأس العالم في 2026 تعد فرصة للظهور على الساحة الكروية. ولكن بالنسبة له، فإن الأمر يتجاوز ذلك، حيث يرى أن أداء منتخبه بمثابة شعاع نادر من الأمل.
وقال حمادة: “أريد أن أخبركم كم من الرسائل وصلتني من غزة، من فلسطين. نحن نجعل الناس سعداء. نلعب من أجل هؤلاء الناس. ما يحدث في فلسطين شيء بشع. ليس من السهل العيش هناك. والآن ليس من السهل حتى مشاهدة ما يحدث هناك”.
وأضاف: “لذا عندما يشاهدنا هؤلاء الناس الذين يعيشون وسط الحرب، فإن هذا يعطينا حقا الدافع للعب. نحن نلعب لإسعاد هؤلاء الناس”.