تاريخ النشر : 24 مايو 2023
عُرف في الأدب العربي بكونه “مالئ الدنيا وشاغل الناس” وملهم الشعراء في كل زمان ومكان وصار عبر الزمن مرجعاً في اللغة واللسانيات وتحولت الكثير من أشعاره إلى حكم خالدة وأمثال تناقلها العرب عبر العصور. إنه أبو الطيب المتنبي (915-965 م) من مواليد الكوفة – العراق والذي عاش في أواخر الدولة العباسية وتجول بين أكثر من إمارة عربية في بلاد الشام ومصر وعاش تهديدات الروم وضعف الخلافة العباسية ولهذا كانت أشعاره محملة بالفخر بالعرب وتاريخهم وبرسائل تحذيرية موجهة إلى الحكام العرب من الخطر الأعجمي. صنفه النقاد المعاصرون بـ “شكسبير اللغة العربية” للتشابه الكبير بين تأثير أشعاره على الناطقين باللغة العربية وتأثير شكسبير على ناطقي اللغة الإنكليزية فشعرهما تحول إلى أمثال وحكم تناقلتها الأجيال التي اكتسبت صفة الخلود في كلي اللغتين.
في أمر شحذ الهمم ومدح الشجعان والفرسان وفي التمييز بين الرجال العظماء والجبناء، قال يوما في قصيدة مشهورة حينما أراد أن يمدح سيف الدولة وتحولت أبياته هذه إلى مثل أصيل في اللغة العربية:
عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ
وتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ
والعرب حتى هذا اليوم يرددون بيت شعر له حول مصدر الإساءة التي قد تأتي للمرء:
وإذا أتتك مذمّتي من ناقص فهي الشّهادة لي بأنّي كامل
كما يشتهر بيت شعري له حول تقديم الكرم والمعروف للشخص ذي الفضائل الحسنة مقارنة بالشخص السيء:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
أما في أمر الحذر من الأمور المباغتة والمفاجئات التي قد تأتي من عدو فقد لخصها هذا الشاعر العظيم ببيت شعر واحد مازال يتردد على لسان العرب:
إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنّ بأنّ الليث يبتسم
وفي طموح الشجعان نحو القيم العليا والمجد، قال المتنبي بيتا صار أشهر من نار على علم:
إذا غامرت في شرفٍ مروم فلا تقنع بما دون النجوم
وفي بيت شعري أخر حول الأمر ذاته قال:
فاطلب العزّ في لظى ودع الذلّ ولو كان في جنان الخلود
ومازال العشاق في العالم العربي يرددون ما قاله الشاعر “إن القليل من الحبيب كثير” وهذا جزء من بيت شعر قاله:
وقنعت باللقيا وأوّل نظرة إنّ القليل من الحبيب كثير
ردد العرب الذين غادروا مدنهم وبلدانهم إلى أماكن جديدة أحسوا فيها بالغربة حكمة “شر البلاد مكان لا صديق به” والتي جاءت من بيت شعري له:
شرّ البلاد مكانٌ لا صديق به وشر ما يكسب الإنسان ما يصم
أو بيت شعري أخر ردده المغتربون عن أوطانهم كثيرا:
بم التعلل؟ لا أهل ولا وطن، ولا نديم ولا كأس ولا سكن
أما في قيمة العقل والعلم، فهذا البيت مازال يتردد على ألسنة العرب حتى يومنا هذا:
ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وفي أهمية العلم والكتب والمعرفة، تحول جزء من بيت شعري له إلى عنوان لطلب المعرفة واحترام الكتب ومحتوياتها حتى صرنا نجد عبارة ” وخير جليس في الزمان كتاب” في معظم المكتبات العامة في الدول العربية لكونها جاءت من بيت شعري له:
أعزّ مكان في الدّنى سرجٌ سابح وخير جليس في الزّمان كتاب
وعبارة “تجري الرياح بما لا تشتهي السَفن” هي جزء من بيت شعري قاله المتنبي في قصيدة شهيرة له وهي اليوم من الأمثال العربية المعروفة والتي انتقلت إلى لغات الدول المجاورة:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
أشعار المتنبي كانت ومازالت كنزا للباحثين عن الحكمة والأمثال التي تعكس تجربة إنسانية عميقة عاشها هذا الرجل والذي مات قتيلا قرب قضاء النعمانية في محافظة واسط في العراق بعد أن التقى في الطريق بمجموعة من قطاع الطرق الذين سألوه أأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فأجابهم بنعم فأردوه قتيلا وهكذا كانت نهاية أعظم شاعر عرفته اللغة العربية على مر العصور.