بعد خمسين عامًا على رحيلها، لا تزال أم كلثوم أيقونة في الوجدان العربي، يتردد صداها في كل مكان من القاهرة إلى بغداد، ومن المغرب إلى المشرق، وقد احتفى بها معرض القاهرة الدولي للكتاب بثلاثة إصدارات جديدة.
...ومن هذه الإصدارات كتاب “أم كلثوم.. من الميلاد إلى الأسطورة” للصحفي حسن عبد الموجود، وهو عمل توثيقي يتتبع مسيرة “كوكب الشرق” منذ نشأتها بدلتا النيل، راويا 50 قصة مدهشة تسلط الضوء على محطات فارقة في حياتها، مثل رحلتها إلى القاهرة تحت حماية المشايخ، والصراعات التي خاضتها للوصول للقمة، ومحاولات كثيرين التقرب منها من الساسة إلى الفنانين.
في إحدى قاعات معرض القاهرة الدولي للكتاب، كانت الأجواء مختلفة. لم تكن هناك ضجة أو صخب، بل كان هناك هدوء وسكينة، وكأن الجميع ينتظر شيئاً ما. وفجأة، بدأ صوت أم كلثوم يتردد في القاعة، وكأنها عادت للحياة من جديد. كان هذا المشهد جزءاً من مناقشة رواية “مجانين أم كلثوم” للكاتب شريف صالح، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية.
هذه الرواية، التي تتناول كيف تركت أم كلثوم أثراً لا يُمحى في حياة معجبيها حتى بعد رحيلها، تأخذنا في رحلة عبر الزمن، لنرى كيف أن صوت أم كلثوم لم يمت، بل لا يزال يتردد في قلوب الملايين. وترصد الرواية تأثيرها الفني والاجتماعي في حياة الأجيال الجديدة، وكيف أنها أصبحت جزءاً من ذاكرتهم ووجدانهم.
شارك في المناقشة عدد من الكتاب والمثقفين، الذين أشادوا بالرواية وأكدوا على أهمية تسليط الضوء على تأثير أم كلثوم في حياتنا. وتحدث الكاتب شريف صالح عن دوافعه لكتابة الرواية، وقال إنه أراد أن يوضح كيف أن أم كلثوم لم تكن مجرد مطربة، بل كانت شخصية مؤثرة في المجتمع، وأن تأثيرها لا يزال مستمراً حتى اليوم.
وأضاف أن الرواية تتناول قصصاً حقيقية لأشخاص تأثروا بأم كلثوم، وكيف أن أغانيها كانت جزءاً من حياتهم اليومية. وأشار إلى أن الرواية تهدف إلى تذكير الأجيال الجديدة بأم كلثوم وإرثها الفني، لكي يتعرفوا على تاريخهم وثقافتهم.
وفي نهاية المناقشة، تم فتح باب الأسئلة للحضور، الذين أبدوا إعجابهم بالرواية وأكدوا على أهمية استمرار الحديث عن أم كلثوم وتأثيرها.
أما العمل الثالث الذي أثار اهتمام رواد معرض القاهرة الدولي للكتاب، فهو رواية “حانة الست: أم كلثوم تروي روايتها المحجوبة” للكاتب محمد بركة، الصادرة عن دار المثقف بالقاهرة. هذه الرواية تأخذنا في رحلة فريدة من نوعها، حيث تمزج بين الحقيقة والخيال بطريقة سلسة ومشوقة.
يقدم الكاتب شخصية أم كلثوم بصيغة غير تقليدية، حيث يجد السارد نفسه في حلم غريب، تظهر فيه أم كلثوم وتطلب منه أن ينقل قصتها للجمهور بأمانة، كما هي، دون تحريف أو تزييف.
تبدأ رحلة السارد في البحث عن هذه القصة، التي لم تُروَ من قبل، قصة أم كلثوم الإنسانة، وليس فقط الفنانة. يكشف لنا الكاتب عن جوانب خفية في حياة “الست”، عن طفولتها وبداياتها الفنية، عن أحلامها وطموحاتها، عن حبها وعلاقاتها، عن أفراحها وأحزانها.
يأخذنا الكاتب إلى كواليس حياة أم كلثوم، لنرى كيف كانت تتعامل مع معجبيها، وكيف كانت تحضر لأغانيها، وكيف كانت تواجه التحديات والصعوبات. كما يكشف لنا عن آرائها في الفن والموسيقى والحياة، وعن رؤيتها لمستقبل الأغنية العربية.
تتميز الرواية بأسلوبها السردي الشيق، ولغتها الجميلة، وحوارها المتقن. كما أنها تقدم صورة واقعية لأم كلثوم، بعيداً عن الصورة النمطية التي اعتاد عليها الجمهور.
“حانة الست” هي رواية تستحق القراءة، فهي تقدم لنا أم كلثوم كما لم نعرفها من قبل، وتكشف لنا عن جوانب خفية في حياتها، وتأخذنا في رحلة ممتعة ومثيرة في عالمها.