الكتاب يناقش أسباب التسول في مدينة مثل كربلاء التي اتّسعت فيها أعداد المتسوّلين ليس فقط من العراقيين، بل حتى من الأجانب التي يأتون لها لأجل زيارة المراقد الدينية لكنهم يبقون في المدينة لممارسة التسوّل
كربلاء- أصدر الكاتب والباحث العراقي طه الربيعي كتابا حمل عنوان “التسوّل والمتسوّلون.. دراسة اجتماعية” وتناول شريحة المتسوّلين الآفة المجتمعية الموجودة في كل بلدان العالم، والظاهرة الممتدة بجذورها التاريخية.
ويناقش الكتاب أسباب الظاهرة في مدينة مثل كربلاء التي اتّسعت فيها أعداد المتسوّلين ليس فقط من العراقيين، بل حتى من الأجانب التي يأتون لها لأجل زيارة المراقد الدينية لكنهم يبقون في المدينة لممارسة التسوّل.
التسوّل والتاريخ
الربيعي المولود في كربلاء عام 1959 صاحب أقدم مكتبة في المدينة، ومؤرخ وباحث وصحفي، يتحدث عن ظاهرة التسول، قائلا إنها “آفة تعاني منها المجتمعات المختلفة مثل بقية الظواهر الأخرى كالتفكّك الأسري وارتفاع معدلات الجريمة وانحراف الأحداث والطلاق والبطالة”.
ويشير إلى أنه أنجز كتابه بعد أن “انتشرت الظاهرة في العراق بعد الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، وأصبحت تشكّل خطورة على المجتمع وهدّدت أمنه واستقراره وانعكست بآثار سلبية عليه”.
ويضيف أن “المتسوّلين ليسوا فقط من العراق بل حتى من دول شرق آسيا الفقيرة ويبتكرون طرقا وأساليب عدة بعد أن كان التسول قديما يمارس بشكل عفوي”، ويعتبر أن ظاهرة التسوّل في كربلاء “أكثر تعقيدا لكل من يحاول وضعها تحت النظر وذلك بسبب تعدّد المتسولين وتعدّد طرق وأشكال التسوّل”.
وأوضح أن البعض يبتكرون طرقا وأساليب متعددة ولافتة “ويبذلون كل ما في وسعهم لجعل التسوّل وسيلة للثراء”، وذكر أن كتابه ليس موجها ضد جهة بل هو “وثيقة تؤرّخ لتاريخ كربلاء الاجتماعي”.
التسوّل والجريمة
الكتاب قسّم الى عدّة مباحث أوّلها “ماهية التسول”، والثاني “أنواع التسول وأشكاله وأسبابه” والثالث “آثار التسول”، أما الرابع فكان “التسول في العراق عبر العصور” والخامس “التسول الإلكتروني” والسادس “من حكايات المتسولين”.
يقول الباحث الدكتور حميد الهلالي إن الكاتب “يلج عالما يلفّه الغموض ولا يثير شهيّة الكتّاب للخوض فيه كونه يمثل سلوكا مشينا اجتماعيا ومجرما قانونا ومعيبا أخلاقيا”، ويرى أن محاولة الكاتب للخوض في هذا الموضوع تعد “محاولة جريئة ومتميزة كونه يسلط الضوء على أكثر قضايا الهامش إهمالا مستعرضا التأصيل الفقهي والقانوني والاجتماعي لهذه الظاهرة”.
وأشار إلى أن الكاتب أفرد لظاهرة التسول في كربلاء مبحثا خاصا كون المدن التي تضم مراقد دينية تعد مدنا جاذبة للمتسوّلين لأن الصدقة لهم تعد سمة أغلب الزائرين وبالذات في المناسبات الدينية.
ويزيد بقوله إن الكاتب “استعرض بعضا من نوادرهم وقصصهم وبالذات من ألفته أسواق وحارات وأزقة المدينة”، لكن الهلالي وهو قانوني أيضا يرى أن هذه الظاهرة “أخذت مناحي عدّة، حيث لم تعد وسيلة للعيش بل أصبحت مرتعا للجريمة المنظمة ومن خلالها تنشط عصابات المتاجرة بالأعضاء البشرية والمخدرات والدعارة وغيرها من السلوكيات المجرمة”.
ويعتقد أن الكاتب فعل خيرا عندما “استعرض السلوكيات والمخاطر الاجتماعية التي تسببها ظاهرة التسوّل”، عادّا الكتاب إثراء للمعرفة عن هذه العوالم معزّزا بكم هائل من الأسانيد.
دراويش وجاليات
من جهته، يشير الباحث مرتضى الأوسي إلى أن هناك جرأة في طرح موضوع الكتاب وأيضا ثمة جهد حين تناوله من عمقه التاريخي، لافتا إلى أن “التسوّل ظهر بظهور المدينة، فكثيرا ما شاهدنا المتسوّلين يأتون من محافظات أخرى ومن المناطق المحيطة بالمدينة لغرض التسوّل”.
ورأى أن أجمل ما جاء في الكتاب هو باب “طرائف المتسوّلين من أجل إظهار التعاطف والشفقة ليحصل على عاطفة المتبرع” مثلما هناك -كما يقول الأوسي- “من يبتكر طرقا لتغيير شكله كأن يصنع عاهة ظاهرة حتى في الوجه، أو يحمل طفلا مريضا أو يحمل مكبر صوت للمناداة وقراءة القرآن وغيرها”.
ويشير إلى أن الأمر تطوّر خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد ظهور مافيات تقوم بنقل النساء والأطفال من سكنهم وتوزّعهم في أرجاء المدينة.