إضافة لجرائمه التي عرفها القاصي والداني مثل القتل الكيفي وتعذيب الضحايا في الساحات العامة واضطهاد المسلمين وغير المسلمين وسبي الأيزيديات، مارس داعش تهريب الآثار في المناطق التي احتلها بهدف توفير مصادر تمويل لأنشطته الإرهابية ومرتبات لخليفته المزعوم والأمراء المزيفين الذين كانوا ينفذون أجندة التنظيم الإرهابية. تم توثيق جرائم تهريب الآثار من قبل التحالف الدولي ومنظمات حقوقية وصحف عالمية ومحلية كما قامت بتوثيق تلك الجرائم السلطات المحلية في العراق وسوريا ووسائل الإعلام المحلية.
في عام 2015، نشرت الحكومة البريطانية تقريرا تضمن:” إن تنظيم داعش يهرب القطع الأثرية التاريخية من سوريا والعراق من أجل رفع إيراداته المالية”. وشدد التقرير على “أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة التدمير الكبير الذي يقوم به (داعش) ضد التراث في البلدين عبر تدميره أو تهريبه وبيعه في الأسواق.” أشار التقرير ذاته إلى ” تدمير تنظيم داعش الإرهابي المواقع التاريخية في نمرود والحضر، بالإضافة إلى تدميرهم الآثار النفيسة في الموصل ومدن عراقية أخرى.” في السياق ذاته، قال المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سوريا تضررت مواقع مصنفة على لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي، بما في ذلك مدينة حلب القديمة وفي العراق قام (داعش) بتفجير الكنيسة الخضراء، وهي واحدة من أقدم الكنائس المسيحية في الشرق الأوسط، ومسجد النبي يونس أيضا. استشهد التقرير بحكم الأزهر فيما يخص تهريب وتدمير الآثار كجريمة تتعارض مع تعاليم الإسلام.
خلال فترة سيطرته على الموصل، قام عناصر داعش بسرقة وبيع القطع الأثرية التي وفرت لهم مصدر دخل منتظم. والجدير بالذكر أن أكثر من 1700 موقع أثري وديني في الموصل وقعوا تحت سيطرة التنظيم بين عامي 2014 و2017، وقد تم نهب وتخريب معظمها. في تصريح أدلى به رئيس محكمة استئناف محافظة نينوى- العراق، بعد تحريرها، لصحيفة القضاء العراقي:” إن تنظيمَ داعش الإرهابي قام بتهريبِ الآثار والمتاجرة بها عبر ممرين للعبور على حدود بلدين مجاورين، لافتاً إلى أن آثارَ نينوى تعرضت للكثير من السرقات والتهريب على يد الإرهابيين وبناءً على ذلك وضعت السلطات العراقية مع المجتمع الدولي والإنتربول، آليةً وخُططَ وبرامجَ للتعامل مع الآثار المسروقةِ والمتاجرة بها والقبض على الدواعش الذين لهم دور في تخريب المواقع الأثرية أو في تهريب الآثار.
بعد تطهير محافظة كركوك (شمال العراق) من داعش، أعلنت دائرة الآثار والتراث في المحافظة أن تنظيم داعش وأثناء فترة سيطرته على مناطق جنوب غربي كركوك نبش 10 مواقع تاريخية في محاولة سرقة الآثار، مشيرا إلى وجود 1200 موقع بحاجة للتنقيب والحراسة. الخبير القانوني في الدائرة المذكورة صرح فيما يخص هذا الأمر: “المتاجرة بالآثار وتهريبها كانت عبر دول الجوار، من قبل تنظيم داعش الإرهابي حيث عمل التنظيم بعد إيهام العالم على أنه حطم المقتنيات الأثرية كونها تعتبر من الأوثان حسب معتقداتهم العقائدية المتطرفة، لكن في الواقع تم تهريبها وبيعها في الأسواق العالمية من خلال وسطاء، وجنى من خلالها التنظيم أموالا طائلة. أن التنظيم كان يستخدم الجرافات للكشف عن المواقع الأثرية وكان يستعين بأناس محليين ليحفروا المواقع والمدافن الأثرية”. لم ينحصر تهريب الآثار على دولة محددة بعينها بل توسع إلى دول أخرى فقد كشفت صحيفة النهار اللبنانية في عام 2015 عن إحباط الجيش اللبناني لمحاولة تهريب آثار قام بها عناصر داعش من سوريا إلى لبنان مع تهريب كميات غير محددة من الذهب.
حتى بعد تحرير العراق وسوريا من براثن داعش، لم تتوقف الجهود الدولية في استرجاع القطع الأثرية المسروقة من البلدين والتي تم بيعها إلى مافيات عالمية ففي عام 2019 ، أنشأ الجيش البريطاني وحدة حماية الممتلكات الثقافية ووقع الجيش الأمريكي اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لتدريب فريق من مسؤولي الحفاظ على التراث الثقافي بهدف منع التهريب وملاحقة المهربين واستعادة الآثار المهربة. يعمل التحالف العالمي، بجد، بما في ذلك الكارابينيري (الشرطة الاتحادية الإيطالية) واليونسكو من أجل توفير تدريب تقني لقوات الأمن العراقية ودعم أمن الحدود وترميم المواقع الاثرية. زود التحالف قوات الأمن العراقية بالتدريب والمعدات لمنع التهريب والتحركات غير المشروعة لا سيما عبر الحدود مع سوريا حيث لا تزال الأفراد والجماعات الخبيثة مثل داعش مستمرة بمحاولة تهريب الآثار العراقية المسروقة لبيعها في الغرب. قامت القوات العراقية بتأمين الحدود عبر استخدام تحصينات وأسلاك شائكة وكاميرات حرارية بعيدة المدى لاكتشاف الحركة، ومنع التهريب. هذا النهج المتكامل على الأرض مدعوم بغطاء جوي للتحالف، مما يعطل أنشطة داعش ويمكّن قوات الأمن العراقية من حماية سيادة العراق.