السجون والألغام والبنايات المهدمة والمدارس التي تحولت إلى ثكنات ومشافي المدينة التي تعرضت للنهب والتخريب هي بعض من مخلفات داعش في الرقة. سكان المدينة، اليوم، بعد تحريرها من سطوة التنظيم، يحاولون تجاوز هذه المخلفات والبدء بمرحلة جديدة خالية من الخوف اليومي الذي زرعه الإرهابيون في حياتهم. بعد انفجار لغم في ريف المدينة ومقتل أحد رعاة الأغنام جراء هذا سيؤدي حتما إلى استعادة ذكريات الخوف والرعب لدى الأهالي الذين عاشوا تلك الفترة المظلمة حين كانت مدينتهم، وقتها، عاصمة “الخلافة” المزيفة.
بعد احتلاله الرقة في2014، حول داعش بناية حكومية إلى سجن عرف لاحقا باسم سجن “النقطة 11” الذي يعتبر من أشهر سجون التنظيم في المدينة. بعد اعتقال المئات من سكان المدينة بتهم شتى، ضاق المكان بهم، فقرر التنظيم نقل السجناء في نهاية العام ذاته إلى الملعب البلدي (مع الحفاظ على التسمية الأصلية) والذي سمح تصميمه الأصلي بوجود غرف صغيره وكبيرة حولها عناصر التنظيم إلى زنزانات انفرادية وجماعية. “الكوابيس لا تفارقني. كلما أتذكر ما حدث معي أبكي بحرقة”، يقول زاهر محمد الذي اعتُقل لأشهر في “النقطة 11″. بسبب عمله مع إحدى المنظمات الإنسانية، قبيل سيطرة التنظيم على المدينة، ولرفضه العلني وجود داعش، تعرض خالد الإبراهيم مع أخويه ووالده للاعتقال لمدة أكثر من عام في هذا السجن الرهيب الذي شهد عمليات تعذيب وإعدام عدد غير محدد من الأبرياء. أضاف الإبراهيم:” كانت أشد العقوبات وطئاً على نفسي هي تعذيب والدي الخمسيني أمامنا، ثم نقلوه من السجن فعلمنا بعد ذلك أن التنظيم قطع رأسه”. وعن أساليب التعذيب يذكر الإبراهيم: ” أن المعتقل يُجبَر أغلب الأحيان على الوقوف لأيام مع التهديد بالعقاب بقطع الرأس أو اللسان وأن عقوبة الشبح (تعليق الشخص من يديه) في الشمس الحارقة لأكثر من أربعة أيام سببت لي عاهة مستدامة”.
مارس التنظيم أكثر أنواع التعذيب وحشية مع المعتقلين واكتسب سجن “النقطة 11″ شهرة في عموم المدن السورية التي كانت تحت سيطرة داعش. أدلى قسم من المعتقلين الذين كتب لهم النجاة من هذا المكان بشهادته عن بعض أنواع التعذيب ومنهم أبو حسين الديري، الذي كان يعمل مدرسا في الرقة في مرحلة ما قبل داعش:” بعد الدخول، يبقى السجين على الأقل خمسة أيام واقفاً في الممرات، وأنا بقيت واقفاً 11 يوماً باستثناء أوقات الصلاة الخمسة”.
تستمر السلطات المحلية في الرقة بالتعاون مع منظمات دولية في إعادة تأهيل مشفى الرقة الوطني الذي تعرض للخراب والنهب خلال فترة سيطرة داعش على المدينة. خلال تلك الفترة، مارس عناصر التنظيم أساليبهم الإجرامية والقمعية بحق الأطباء والممرضين وأجبروهم على علاج جرحى التنظيم قبل غيرهم واحتجزوا المدنيين في أحد أقسام المشفى بعد أن كسروا قسما من محتوياته وباعوا القسم الآخر في السوق السوداء.
بالرغم من الجهود المحلية والدولية التي تهدف إلى التخلص منها، تستمر الألغام التي تركها داعش وراءه في المدينة في قتل وجرح المدنيين العزل وخصوصا في ريف المدينة حيث يوجد رعاة الأغنام أو جامعو الكمأة في ربيع كل عام. هنالك منظمات محلية كمنظمة روج ومنظمات مثل منظمة MAG البريطانية ومنظمة هانديكاب المتخصصة بإزالة الألغام وتركيب الأطراف الصناعية للضحايا تعمل بجد على تخليص المنطقة من هذه الألغام. معظم الألغام التي تركها داعش تتركز في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور وتقدر بأكثر من 100 ألف لغم في المناطق الريفية أو في البنايات المهدمة والدور التي تركها التنظيم قبيل هزيمته في المنطقة. عدنان حسن، مدير روج صرح بخصوص هذه الألغام: “رغم مباشرة المنظمات المحلية والدولية العمل على إزالة الألغام من الرقة فور هزيمة التنظيم، إلا أنها ما تزال منتشرة في العديد من المواقع، هي موجودة في الأبنية المهدّمة وتحت الإنقاض ويحتاج نزعها إلى آليات ضخمة ومستلزمات غير متوفرة لدى المنظمات العاملة”.
حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، تحصد ألغام داعش، كل عام، عددا غير محدد من الضحايا المدنيين الذين ينتشرون في ريف المدينة بحثا عن الكمأة التي يبدأ موسم جمعها في فبراير وينتهي في نيسان من كل عام. في هذا العام، وحسب تقرير المرصد ذاته، حصدت ألغام التنظيم مدنيين في موسم جمع الكمأة: “مقتل 13 مواطناً، بينهم نساء، من أبناء عشيرة واحدة جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات داعش أثناء بحثهم عن الكمأة في بادية الرصافة في الريف الغربي لمحافظة الرقة.”