بعد خروج قطعان داعش من أقبيتها السرية واستهدافها المحافظات ذات الأغلبية السنية في العراق، مارس عناصر التنظيم إرهاباً وحشياً بحق سكان هذه المحافظات وخصوصاً الطبقة المتعلمة وناشطي المجتمع المدني وشيوخ القبائل وعناصر الجيش والشرطة وأساتذة الجامعات والمدنيين العزل الذي أرادوا العيش بأمان وسلام في مدنهم وقراهم. إرتكب التنظيم مجزرة “البو نمر” في محافظة الأنبار وأعدم عناصره، في الموصل، المحامية سميرة النعيمي إضافة إلى محامين وأطباء وأساتذة جامعة ومرشحين لمجلس النواب والمجالس المحلية وصحفيين ومصورين في قنوات تلفزة محلية وجرائم أخرى في صلاح الدين وديالى وكركوك.
ارتكب الدواعش مجزرة سبايكر في محافظة صلاح الدين في حزيران / يونيو من عام 2014 وتم اعدام 1700 شخصاً أعزلاً ورميهم في النهر أو في مقبرة جماعية أعدت لهم على عجل. أحد الناجين من المجزرة أستطاع الوصول إلى ناحية العلم-شرق تكريت (مركز محافظة صلاح الدين في العراق) حيث أنقذته الشيخة أمية جبارة الجبوري من موت محقق. تنحدر الجبوري من عائلة عربية مسلمة سنية تملك زعامة قبلية وتاريخاً معروفاً في التصدي للحركات الإرهابية المتطرفة في المنطقة فقد اغتال تنظيم القاعدة في عام 2006 والدها مع عمها وأثنين من أشقائها. في التاسع من حزيران من عام 2014، سقطت ناحية العلم، مدينة أميّة الجبوري، على يد تنظيم داعش وبدأت مقاومة سكان المدينة للإرهابيين والجبوري كانت من أول المقاومين للإرهاب. أمية الجبوري مثال مشرف لامرأة شجاعة لم تخش الموت وهي من مواليد العلم في 1974 وحاصلة على شهادة القانون من جامعة تكريت وكانت تعمل محامية ومستشارة محافظ صلاح الدين لشؤون المرأة. كانت ناشطة في حقوق المرأة وحقوق الإنسان، وكانت تقاتل التنظيم وتوثق جرائمه أيضا حتى أخر لحظة في حياتها في معركة في شرق تكريت.
برفقة أشقائها وأبناء منطقتها وعشيرتها، رفعت أميّة سلاحها في المعارك التي جرت في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك وقدمت مثالاً مشرفاً في الشجاعة والصمود في مواجهة الإرهابيين. بعد استشهادها، ” صارت حديث الكبير والصغير ” في العراق ودورها البطولي في التصدي لداعش تصدر واجهات الصحف العربية وأخبار التلفزة في العالم العربي وإنقاذها لشخص شيعي من الموت الحتمي في مجزرة سبايكر صار مثالا للوحدة الوطنية والتلاحم بين أبناء الشعب الواحد. بعد استشهادها بفترة قصيرة، شكل أبناء قبيلتها وأبناء تكريت والبلدات التابعة لها فوجاً لمقاتلة داعش وسموه فوج أميّة الذي قاتل في أكثر من معركة بهدف تحرير تكريت ومدن وبلدات المحافظة. في يوم التاسع من آذار من عام 2015 عاد سكان ناحية العلم إلى مدينتهم وقد ساهم استشهاد أميّة الجبوري في التعجيل بهزيمة داعش في محافظة صلاح الدين التي كان يعتبرها البغدادي (الخليفة المزيف) واحدة من أهم ولاياته المزعومة في العراق.
بعد التخلص من طغيان داعش في محافظة صلاح الدين، سمى أبناء المحافظة أكثر من منشأة تابعة للحكومة المحلية أو القطاع الخاص باسمها الذي صار أيقونة للشجاعة والمقاومة ورمزا للروح الوطنية. نعاها مسؤول عراقي رفيع المستوى ووصف استشهادها بـ “البطولة الأسطورية “. ألهمت بطولة أميّة الجبوري الفنانين والكتاب وأقامت وزارة الثقافة العراقية في عام 2019 ندوة استذكاريه بمناسبة مرور خمسة أعوام على استشهادها وقدمت فيها الكاتبة وداد إبراهيم محمود قصة / وثيقة عن حياة هذه البطلة. وثقت هذه القصة فصولاً مهمة من حياة الجبوري حين وقفت أمام غزو داعش خلال حصاره لمدينتها. رفضت أميّة الخروج مع النساء عند إعلان أخيها، شيخ العشيرة، الجهاد وإخلاء المدينة من نساءها وأطفالها حفاظا على أرواحهم وقالت جملتها الشهيرة: “لن يدخلوا مدينتي إلا على جثتي”. لقد تحدت هذه البطلة أتباع البغدادي بقوتها وصلابتها وبندقيتها التي صوبتها باتجاه عناصر داعش وبعدها ارتقت إلى سماء العراقيين كنجمة مشرقة من نجوم البطولة العراقية.