ي سلسلة رسائلنا من الصحفيين الأفارقة، كتب الصحفي الجزائري ماهر مزاهي المقيم في فرنسا كيف أن العنصرية وكراهية الإسلام تقفان وراء الغضب الذي شوهد في شوارع البلاد خلال الأسبوع الماضي.
هزت أعمال الشغب التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد بعد مقتل نائل، وهو صبي يبلغ من العمر 17 عاماً من أصل جزائري على يد الشرطة، المجتمع الفرنسي في صميمه. ووصفت الاضطرابات بأنها غير مسبوقة من حيث الحجم والشدة.
في مرسيليا، المدينة التي وصفتها بـ”وطني” خلال العام الماضي، تملكها طابع كئيب.
كانت فترات ما بعد الظهيرة تشهد تسارعا في إنهاء المهمات قبل إغلاق المتاجر ووسائل النقل العام قبل الأوان وقبل الفوضى الوشيكة.
كان الصباح مخصصاً للبرامج الحوارية الفرنسية والتحليل الأحادي الجانب الذي غالباً ما يتم إطلاقه.
حاولت شخصيات من متحدثين باسم الشرطة ومحللين قانونيين وسياسيين مراراً وتكراراً تفسير مَن وراء الأحداث، وماذا هناك، وعلى الأخص، ما سبب حدوث أعمال الشغب.
بينما كانت هناك إدانة شبه جماعية لقتل الشرطة لنائل، بعد أعمال الشغب سارع الكثيرون إلى طرح نفس السؤال القديم المتعلق بالهجرة إلى فرنسا.
كان هناك سؤال حاضر دوماً: “كيف فشل الجيل الثالث والرابع من المواطنين الفرنسيين المنحدرين من عائلات مهاجرة في الاندماج في المجتمع الفرنسي؟”
والسؤال المفضل لدي شخصياً: “ألا يفهم مثيرو الشغب أنهم يدمرون ممتلكاتهم؟”
إن عدم الإجابة على مثل هذه الأسئلة بعد عقود من إثارتها لأول مرة يجعلني أتساءل عما إذا كان من يطرحونها يبحثون بصدق عن إجابات.
في خطابه الافتتاحي الشهير في كلية كينيون بالولايات المتحدة عام 2005، طرح الروائي الأمريكي الراحل ديفيد فوستر والاس حكاية سمكتين شابتين تسبحان أمام سمكة أكبر سناً، فقالت لهما السمكة الأكبر سناً: “صباح الخير يا أولاد. كيف وفرة المياه اليوم؟”
تستمر السمكتان الأصغر سناً في طريقهما ثم تسأل إحداهما الأخرى: “ما هذا الماء بحق الجحيم؟”
وأشار والاس إلى أن “الهدف من قصة الأسماك هو أن الحقائق الأكثر وضوحاً وأهمية هي في الغالب تلك التي يصعب رؤيتها والتحدث عنها”.
بصفتي شاباً جزائرياً مسلماً نشأ في كندا، فإن ملاحظتي للحياة اليومية في فرنسا على مدار الأشهر القليلة الماضية هي أن المياه تفوح منها رائحة العنصرية المستترة والمبتذلة والإسلاموفوبيا.
في الأسابيع التي سبقت إطلاق النار، كانت هناك أمثلة عديدة لوسائل إعلامية كبرى ونخب سياسية تدلي بتصريحات استفزازية للغاية عن المسلمين والجزائريين في فرنسا.
في بداية شهر يونيو/حزيران، أجرى رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب مقابلة واسعة النطاق دعا فيها إلى إصلاح نظام الهجرة.
وقال إن بعض الفرنسيين لا يعتبرون الجيل الثاني أو الثالث من المهاجرين فرنسيين لأغراض “الاندماج والتعليم والعقلية المدنية” – وإنه ينبغي سماع هذه الآراء.
ومضى فيليب يقول إن مشكلة أخرى يعاني منها الكثير من الفرنسيين مع الهجرة، هي الإسلام.
وقال: “إنه موضوع مركزي وموضوع مزعج وموضوع مؤلم”.
أخيراً، دعا إلى إلغاء معاهدة ثنائية تسهل على الجزائريين الهجرة إلى فرنسا.
وفي وقت لاحق من شهر يونيو/حزيران، قامت القناة الإخبارية الفرنسية الأكثر مشاهدة بي إف إم تي في، بتصوير مدخل مدرسة إعدادية في ليون حتى يتمكنوا من حساب عدد الطالبات اللاتي يدخلن مرتديات “العباءة”، وهو رداء فضفاض ترتديه العديد من النساء المسلمات.
كان الهدف من التقرير إخبار الجمهور الفرنسي أن العرض المفتوح للدين كان يتسلل إلى المدارس، ويتعارض مع عقيدة العلمانية – المفهوم الفرنسي للعلمانية الصارمة في الفضاء العام.
صعدت الفتيات بتحد إلى المدخل بعباءاتهن وخلعن حجابهن، كما يقتضي القانون الفرنسي، ما أجبر المؤسسة على الاعتراف بأنها كانت تخلع ملابسهن بنشاط.
تذكرنا المشاهد بمقال فرانتس فانون عن الجزائر غير المحجوب، والذي يحلل فيه نظرة الجهاز الاستعماري المهووسة إلى النساء الجزائريات اللواتي يغطين أجسادهن.
تبع الجدل حول العباءة قصة أن حفنة من الأطفال المسلمين في نيس، تتراوح أعمارهم بين 9 و 11 عاماً، تجرأوا على الصلاة في فناء مدرستهم.
رئيس بلدية نيس، كريستيان إستروسي، ورئيس حزب سياسي يميني، إريك سيوتي، ووزير التعليم، باب ندياي، كلهم انتقدوا الأطفال علناً.
بعد أيام قليلة، وقبل أسابيع قليلة من نهائيات كأس العالم لكرة القدم للسيدات 2023، أيدت محكمة فرنسية حظر ارتداء لاعبات كرة القدم المسلمات للحجاب.
أثناء احتجاز الضابط الذي قتل نائل، أقامت الشخصيات اليمينية حملة تمويل جماعي له، والتي تلقت 1.7 مليون دولار في شكل تبرعات قبل إغلاقها.
أدان بعض السياسيين ذوي الميول اليسارية الحملة، لكن آخرين من اليمين استخدمها للتعبير عن دعمهم للشرطة وأصبحت قضية خلافية للغاية.
كل هذا يغذي شعور العديد من المسلمين والشمال أفريقيين الذين يعيشون في فرنسا بأنهم غير مقبولين من قبل الدولة والمجتمع، ويفسر سبب رد فعل كثير من الناس بمثل هذا الغضب على مقتل نائل.
قال مارتن لوثر كينغ جونيور ذات مرة إن “الشغب هو لغة من لم يسمع به من قبل”.
في الأسبوع الماضي، وربما لأول مرة في حياتهم، أحس الشباب الفرنسي المضطرب أن صوتهم مسموع.