أثارت بيانات التضخم في الولايات المتحدة لشهر فبراير/ شباط شكوكاً حول ميل مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) إلى خفض أسعار الفائدة، الأمر الذي دعا إلى التساؤل حول إذا ما كان أكبر اقتصاد في العالم يتحمل المزيد من فاتورة الفائدة المرتفعة وتأثيراتها على القطاعات الاقتصادية المختلفة ومن ثم نجاة البلاد من الركود؟
ارتفع معدل التضخم بشكل غير متوقع إلى 3.2% على أساس سنوي الشهر الماضي، وفق البيانات الرسمية الصادرة يوم الثلاثاء، بينما كان الاقتصاديون يتوقعون أن يظل التضخم السنوي دون تغيير عن معدل يناير/كانون الثاني الماضي البالغ 3.1%.
ويسلط هذا الارتفاع الضوء على التحدي الذي يواجهه البنك الفيدرالي في “الميل الأخير” من معركته ضد أسعار الفائدة المرتفعة التي تصل حالياً إلى أعلى مستوياتها في 23 عاما.
ورغم أن الاقتصاد الأميركي صمد جيداً حتى الآن، إلا أن هناك خطراً من أن يؤدي التضخم المستمر واستجابة البنك الفيدرالي له إلى تحويل سيناريو الهبوط الناعم إلى ركود تضخمي ناعم.
ووفق ما نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن إسوار براساد، الأستاذ في جامعة كورنيل في نيويورك إن “أرقام التضخم هذه تنذر بفترة أكثر صعوبة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي”.
ومنذ بداية عام 2022، حيث كان سعر الفائدة يتراوح بين 0.25% و0.50% رفع البنك الفيدرالي أسعار الفائدة عبر زيادات متواصلة إلى أعلى من 5% لمواجهة التضخم.
وعادة ما يستخدم البنك المركزي سياسة الفائدة المرتفعة لخفض التضخم عبر “تسعير النقود”، أي جعل الحصول على الأموال عبر الاقتراض غالياً، وبالتالي يضطر المستهلك لخفض مشترياته، مثلما حدث في الولايات المتحدة خلال العام الماضي.
وبدأ المركزي الأميركي في زيادة الفائدة على الدولار في 28 يوليو/ تموز 2022، ثم واصل ذلك حتى نهاية العام الماضي، حيث بدأت التكهنات حول عودة المركزي الأميركي لخفض الفائدة.
ورغم الحديث عن أن “المركزي” نجح إلى حد كبير في سياسته لكبح التضخم، إلا أن هناك من يرى أن هناك تداعيات في المقابل.
في هذا الصدد، توصلت دراسة أجراها نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق، آلان بليندر، حول 11 عملية تشديد للسياسة النقدية من عام 1965 إلى عام 2022، إلى أن أربع منها أسفرت عن شيء يقارب تلك نجاح نتيجة “الهبوط الناعم” للاقتصاد، أي حققت استقرار التضخم أو انخفاضه دون أن يدخل الاقتصاد في الركود، بينما العمليات الأخرى قادت إلى هبوط حاد في النمو الاقتصادي أو أدت إلى إعادة التسارع في التضخم بعد عامين من هبوطه.
في السباق قال الاقتصادي الأميركي المخضرم، ستيفن بليتز، في تعليقات نقلت صحيفة فايننشال تايمز مقتطفات منها، إن دراسة حديثة أجراها مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي للشركات في الاقتصاد الحقيقي، وجدت أن معظم المشاركين في الدراسة يقولون إنهم يتوقعون نمواً ضئيلاً أو معدوماً في دفاتر طلباتهم، وأنهم يشهدون بالفعل وتيرة ارتفاع الأسعار في الاقتصاد الحقيقي ببطء.
وقال بليتز إن الاقتصاد يتباطأ بوتيرة أسرع من تراجع التضخم، مضيفا: “لست مستعداً تماماً للقول بأن الاقتصاد الأميركي دخل مرحلة الركود، لكنه قريب من ذلك”.
وتابع: “ضع في اعتبارك أنه بمجرد أن يبدأ زخم الاقتصاد الأميركي في التراجع بشكل جدي، فإنه عادة ما ينزلق إلى الركود بشكل أسرع بكثير مما كان متوقعا”.
بدوره، قال جيمي ديمون إنه لن يزيل احتمال حدوث ركود في الولايات المتحدة “من على الطاولة”، لكن يجب على بنك الاحتياطي الفيدرالي الانتظار قبل أن يخفض أسعار الفائدة.
من جانبه، رأى جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لمجموعة “جيه بي مورغان” المصرفية، في قمة الأعمال الأسترالية للمراجعة المالية التي عقدت في سيدني يوم الثلاثاء الماضي أن “العالم يتوقع هبوطًا سلساً للاقتصاد الأميركي، ربما بنسبة 70% إلى 80%، ولكني أعتقد أن فرصة حدوث الهبوط السلس في العام أو العامين المقبلين هي نصف ذلك، والأسوأ من ذلك هو احتمال وقوع الاقتصاد الأميركي في الركود التضخمي”.
وقال ديمون، إن بنك الاحتياط الفيدرالي يجب أن ينتظر المزيد من الوضوح قبل خفض أسعار الفائدة.
وتتوقع مجموعة من خبراء الاقتصاد سقوط أميركا في الركود الاقتصادي خلال العام الجاري، سواء كان الأمر عميقاً أم ضحلًا، طويلًا أم قصيراً، فهو أمر مطروح للنقاش، لكن فكرة أن الاقتصاد سيدخل في فترة من الانكماش هي إلى حد كبير وجهة نظر متفق عليها بين الاقتصاديين.
في هذا الصدد، قال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز أناليتيكس: “تاريخيا، عندما يكون لديك تضخم مرتفع، ويرفع بنك الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة لقمع التضخم، فإن ذلك يؤدي إلى تراجع أو ركود اقتصادي”.
وأضاف “لقد رأينا هذه القصة من قبل.. عندما يرتفع التضخم ويستجيب بنك الاحتياط الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، فإن الاقتصاد في نهاية المطاف ينهار تحت وطأة أسعار الفائدة المرتفعة”.