سيطرت الأندية السعودية على ربع نهائي مسابقة دوري النخبة الآسيوي للموسم الحالي، بعد تأهل النصر وأهلي جدة والهلال لدور الثمانية.

ولعل هذا التأهل، يعكس الهيمنة التي تعيشها الأندية السعودية، ليس فقط على المستوى الآسيوي، ولكن أيضًا على المستوى العربي.
وهذه الهيمنة التي تنعكس على الدوري السعودي، الذي أصبح الأقوى في الوطن العربي، وهو الآن في طريقه للمنافسة على مكانة بين الدوريات العالمية.
سيطرة مصرية
دائمًا ما شهدت العقود الماضية، مقارنة بين الدوريين المصري والسعودي على وجه التحديد، باعتبارهما الأقوى على المستوى العربي، وكل منهما يهيمن على قارته.
وفي خضم تلك المقارنة، كانت الكفة تميل نحو الدوري المصري، لأنه يمتلك قمة الأهلي والزمالك، التي صنفتها العديد من الصحف الأوروبية، من بين الأقوى في العالم.
ولطالما تغنت جماهير الزمالك بالشعبية الجارفة التي تحظى بها في دول الخليج مقارنة بالأهلي، فيما لم يشتهر المشجعون المصريون، بتشجيع أحد الأندية السعودية.
وبالإضافة إلى ذلك، كان الدوري السعودي يعمل دائمًا على اجتذاب نجوم الكرة المصرية، للعب مع الفرق الكبرى هناك، حيث كانوا بمثابة نجوم الصف الأول في المسابقة.
وخير دليل على ذلك، أشرف قاسم الذي انتقل من الزمالك للهلال في تسعينيات القرن الماضي، ليحصد لقب أفضل مدافع بالمسابقة، وثاني أفضل لاعب بها.
الهلال ضم أيضًا أحمد علي، في العقد الأول من هذا القرن، فيما ضم أهلي جدة، مجموعة لاعبين مثل محمد بركات ورضا سيكا ووليد سليمان ومحمد عبد الشافي وعبد الله السعيد.
في المقابل، مر على النصر، لاعبون مصريون، مثل عماد النحاس وحسام غالي وحسني عبد ربه الذي مثل الاتحاد أيضًا، وهو الفريق الذي لعب له إسلام الشاطر وعماد متعب ومحمود كهربا وطارق حامد وأحمد حجازي.
ريمونتادا سعودية
لكن الأمر تغير في السنوات الأخيرة، ولم يعد اللاعبون المصريون، قادرين على تمثيل أندية القمة في الدوري السعودي، في ظل قوة المسابقة وارتفاع مستوى المنافسة.
وشهدت السنوات الأخيرة، انتقال محمد شريف إلى الخليج، وأليو ديانج إلى الخلود، وطارق حامد إلى ضمك، وأحمد حجازي إلى نيوم الذي يلعب في دوري يلو.
ولعب الحارس الأسطوري عصام الحضري، لصالح التعاون، وكذلك مصطفى فتحي الذي كان نجمًا في الزمالك، وانتقل حسين السيد من الأهلي للاتفاق، والحارس الدولي محمد عواد من الإسماعيلي للوحدة.
وحتى أحمد سيد زيزو، الذي كان ينافس على جائزة أفضل لاعب أفريقي، تلقى عرضين سعوديين، أقواهما من الشباب، والآخر من نيوم.
وعلى العكس، كان اللاعبون الذين لا يستطيعون المنافسة في الدوري السعودي، يجدون أنفسهم نجومًا بارزين في الدوري المصري.
ويعتبر المثال الأبرز على ذلك، المغربي أشرف بن شرقي الذي عاش فترة صعبة مع الهلال، قبل أن يجد نفسه أحد نجوم الدوري المصري مع الزمالك ثم الأهلي.
وكذلك التونسي فرجاني ساسي الذي ضل الطريق في النصر، لكنه عثر على نفسه في الزمالك وأصبح أحد أفضل لاعبي الوسط في الكرة المصرية.
المجد لا تصنعه الأموال
يعتبر البعض أن السبب الوحيد وراء هذا التحول في قوة وشعبية الدوري السعودي، يتمثل في الأموال الطائلة التي يتم ضخها من قبل الأندية، لا سيما في آخر موسمين.
غير أن تلك الأموال لم تكن إلا وسيلة للمنافسة عالميًا، بعد أن سيطر الدوري السعودي بالفعل إقليميًا وأصبح الأقوى على المستويين العربي والآسيوي، بفارق بعيد عمن يليه.
صحيح أن هذه الأموال جعلت قيمة الدوري السعودي (نحو مليار يورو) أكثر من 6 أضعاف قيمة الدوري المصري (نحو 151 مليون يورو)، وصحيح أيضًا أن تلك الأموال جذبت أبرز نجوم العالم على غرار كريستيانو رونالدو، كريم بنزيما، رياض محرز، نيمار قبل رحيله، ساديو ماني، نجولو كانتي، وغيرهم.
لكن بنظرة على الحضور الجماهيري في الموسم الماضي من الدوري السعودي، الأول الذي يشهد حضور كل هؤلاء النجوم، يمكن معرفة الفارق.
وكانت المباراة الأكثر حضورًا جماهيريًا بين الهلال والفيحاء التي ظهر فيها ياسين بونو ونيمار لأول مرة مع الهلال، وبلغت السعة الجماهيرية نحو 60 ألف متفرج، وهي السعة الكاملة.
في المقابل، سيطرت مباريات الفرق 4 الكبرى (الهلال والاتحاد والنصر والأهلي) مع بعضها على الحضور الجماهيري الأكثر بالمسابقة في الموسم الماضي.
وعلى العكس، مثل الحضور الجماهيري، ضربة قوية في قلب الدوري المصري على مدار نحو 13 عامًا، وتحديدًا منذ أحداث إستاد بورسعيد في فبراير/شباط 2012.
ومنذ ذلك الحين، غابت الجماهير بشكل كامل لفترات طويلة، وظلت تتزايد بدرجات محدودة، حتى صدر قرار في الموسم الماضي بالموافقة على السعة الكاملة لكل الملاعب، باستثناء القاهرة وبرج العرب.
وهذان الملعبان بالذات هما الأكبر من بين الملاعب المصرية، وأكبر من جميع الملاعب السعودية، حيث تبلغ سعة إستاد القاهرة نحو 75 ألف متفرج، وبرج العرب 86 ألفًا.
وشهد إستاد القاهرة تحديدًا، عددًا كبيرًا من المباريات التي تخطى عدد المشجعون فيها حاجز 70 ألفًا، وكذلك بعض المباريات في ملعب برج العرب، وهو ما لم يحدث في أي مباراة بالدوري السعودي.
لكن تراجع الحضور الجماهيري في السنوات الأخيرة، تسبب في تأخر الدوري المصري بشكل كبير، لا سيما مع تراجع الفرق الشعبية وهبوط بعضها للدرجات الأدنى، ومعاناة الأخرى في الدوري الممتاز.
المشهد الأسوأ
ربما يجسد المشهد الذي شهدته قمة الزمالك والأهلي، الثلاثاء الماضي، ملخصًا واضحًا للفارق بين الدوريين، حيث غاب الفريق الأحمر عن المباراة اعتراضًا على عدم تعيين حكم أجنبي.
المشهد لم يكن الأول في الكرة المصرية خلال السنوات الأخيرة، حيث كرره الزمالك في الموسم الماضي، وكذلك في موسم 2019-2020 أمام الأهلي نفسه.
المشكلة التي فجرت هذا المشهد، تمثلت في عدم وجود قواعد واضحة لاستقدام حكام أجانب، باستثناء ضرورة طلبه قبل 15 يومًا من المباراة.
هذا الشرط تحديدًا سقط بسبب مشكلة أخرى، حيث تم الإعلان عن قمة الأهلي والزمالك قبل 5 أيام فقط من موعدها، بعد قرعة قبل إنها أجريت بالذكاء الاصطناعي فجرًا.
وعلى العكس، يتميز الدوري السعودي بوضوح تام في قواعد استقدام حكام أجانب، ويشير بوضوح إلى إمكانية تعثر ذلك، مما يمنع الأندية من الاعتراض حال عدم القدرة على تلبية طلبها.
معايير واضحة
في يونيو/حزيران الماضي، كشفت رابطة الدوري السعودي عن جدول مباريات موسم 2024-2025 من الدوري السعودي، قبل شهرين كاملين من بداية المسابقة.
ووضعت الرابطة 5 نقاط زمنية لتحديد المواعيد التفصيلية للمباريات، وكذلك 9 معايير تمت مراعاتها في إعداد الجدول، و7 نقاط تلخص آلية إعداده.
في المقابل، حتى نهاية النصف الأول من الموسم الحالي من الدوري المصري، لم يكن أحد، يعرف كيف سيتم وضع جدول مباريات الدور الثاني من الموسم.
القرعة لم يكن منصوصًا عليها في نظام الدوري، ولم يكن هناك تفاصيل عن كيفية إدارة النصف الثاني من الموسم، بعد حسم مجموعتي التأهل والهبوط بالنصف الأول.
وفوجئ الجميع بنشر الرابطة جدول مباريات الدور الثاني، فجر 6 مارس/آذار الماضي، بما فيها مباراة القمة بعد 5 أيام فقط، دون حضور أي من ممثلي الأندية أو الصحفيين.
جداول وهمية
إذا كانت هذه هي نقطة بداية الأزمة في الموسم الحالي، فإن الأزمات تكررت في المواسم الماضية، بسبب عدم الالتزام بمواعيد المباريات، حتى باتت السمة الغالبة هي التأجيل.
وبينما كانت الدوريات العربية والعالمية، تبدأ مواسمهما بشكل طبيعي في أغسطس/آب، كان الدوري المصري ينتهي في سبتمبر/أيلول وربما أكتوبر/تشرين أول في المواسم الأخيرة.
وكان السبب في ذلك هو التأجيل المستمر لمباريات الفرق المشاركة في البطولات الأفريقية، حتى أنها كانت تمتلك مباريات مؤجلة قد تصل لأكثر مما لعبته في المسابقة.
وعلى العكس، اتسمت رابطة الدوري السعودي بالحسم في رفض تأجيل المباريات، ورفضت كل المحاولات التي مارستها بعض الأندية لذلك.
وكانت آخر تلك المحاولات من النصر، حيث طالب بتأجيل مباراته ضد العروبة، في الجولة 23 من دوري روشن، والتي جاءت قبل 72 ساعة فقط من مواجهة الاستقلال في إيران.
وحاول النصر، تأجيل المباراة، بداعي تمثيله للوطن، خاصة في ظل الضغط الذي كان يعاني منه بخوض مباراة كل 3 أو 4 أيام، لكن الرابطة رفضت الأمر بشكل قاطع.
وعلى الرغم من ذلك، لم يلوح النصر بأي قرار مضاد للرابطة التي تحكم الدوري، رغم اعتراضه الواضح، بل حضر المباراة وخسر 1-2.
الأدهى أن النصر اعترض على مشاركة رافع الرويلي حارس العروبة، في تلك المباراة، باعتباره لاعبا هاويا، وهو الاحتجاج الذي رفضته الرابطة أيضًا، وسط التزام تام من إدارة العالمي.
هذه المشاهد تعكس بوضوح الفارق الكبير الذي أصبح قائمًا بين الدوري السعودي وباقي الدوريات العربية، ومن بينها الدوري المصري الذي كان يومًا من الأيام الأقوى في الشرق الأوسط.