سجّل أبو عبيد البكري في معجمه الجغرافي بالقرن الحادي عشر وصف تيماء، مشيراً إلى أنها «من أمهات القرى» و«مدينة محاطة بسور». غابت تيماء عن الأنظار حتى بدأ المستشرقون استكشافها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكان من أبرزهم الفرنسي شارل هوبير، الذي عاد بمسلة أثارت اهتمام الأوساط الأكاديمية، فلُقب بـ«مكتشف تيماء». توافد الباحثون والمنقبون إلى الواحة لدراسة معالمها في العقود التالية، وبرز منهم المستعرب البريطاني جون فيلبي في منتصف القرن العشرين.

ثم استكملت وكالة الآثار والمتاحف السعودية هذه الجهود في منتصف السبعينيات، وقامت بحفريات كشفت عن أهم المواقع الأثرية في الواحة، منها بناء مكون من ثلاثة أقسام رئيسية، شُيد من الحجارة الحمراء المحلية، وسُمي «قصر الحمراء».
امتدت الحفريات في الثمانينيات إلى مناطق خارج هذه المواقع، وشملت منطقة صناعية تقع جنوباً، تُعد من المرافق العامة. ومن المفارقات أن هذه المنطقة كانت مليئة بالسيارات المتهالكة والأدوات المهجورة بسبب قربها من الورش الصناعية، وهي أرض مستطيلة يبلغ طول ضلعها الشمالي 8 أمتار والغربي 110 أمتار، تحيط بها أربع تلال تأثرت معالمها بتمديدات حديثة. في مرحلة أولية، بدأت البعثة المسؤولة عن المسح والتنقيب بجمع اللقى المتناثرة على سطح الموقع، والتي شملت بقايا فخارية ملونة وصلت على شكل شظايا. بعد هذه المرحلة، تحول الموقع الصناعي إلى موقع أثري، وكشفت الحفريات المتعمقة عن ملامحه المعمارية، التي تبين أنها تعود إلى سلسلة من 6 مدافن أنتجت كمية وفيرة من اللقى فاقت التوقعات.
صُنفت هذه اللقى إلى مجموعات معدنية، وأخرى من الخرز والمحار، ومجموعة فخارية كانت الأكبر والأكثر أهمية من الناحية الأثرية والفنية. تضمنت هذه المجموعة قطعاً محتفظة بشكلها الكامل، وأظهرت الدراسات أنها تعود إلى القرون الأولى من الألفية الأولى قبل الميلاد، وتشبه قطعاً وجدت في مواقع أخرى بتيماء وضواحيها، لكنها تميزت بتنوع خاص في صناعتها وزخرفتها. دفع هذا التميز الخبراء إلى تسمية هذه المجموعة بـ«خزف الصناعية»، وتضم أنواعاً مثل الأطباق المخروطية، والأقداح الكبيرة التي تشبه القصعة والزبدية، والأقداح الصغيرة ذات العروة المتصلة بحافتها، والتي تُستخدم كمجامر.
تتميز أجمل الأطباق بزخرفة خاصة تتضمن عارضتين متساويتين متقاطعتين في وسط دائرة، منها طبق بقطر 19.5 سنتيمتر، مزين بشبكة خطوط متقاطعة باللون الأحمر الترابي الداكن، وآخر بقطر 14 سنتيمتراً، يتوسطه عارضتان مزخرفتان تمتدان على مساحة خالية، تحد كل طرف منهما أربعة مثلثات. يتكرر هذا النمط مع اختلافات طفيفة في طبق مماثل، يبرز فيه أربعة طيور محوّرة هندسياً، وهي عناصر حيوانية نادرة في زخارف تعتمد طابعاً تجريدياً.
أما الأقداح والمجامر فتتبع أسلوباً حراً متنوعاً في زخارفها الملونة، بعضها بسيط يعتمد عناصر زخرفية محدودة، وبعضها منمّق يعكس مهارة عالية في التزيين، تظهر في شبكات زخرفية متداخلة. أبرز هذه القطع قدح ذو قاعدة مسطحة بحجم استثنائي، يبلغ ارتفاعه 22 سنتيمتراً وقطره 34 سنتيمتراً، مزين بزخرفة غنية تتكون من خمس عشرة طبقة أفقية مرسومة بالأحمر الداكن على خلفية خالية.تعتمد هذه الطبقات على ثلاث سلاسل زخرفية تتكرر عناصرها الهندسية بتناغم، يعلوها شريط نقي يلتف حول حافة القدح العلوية.