يُسابق الباحثون الزمن لإيجاد وسائل جديدة لإنتاج طاقة نظيفة مع خطر نفوذ الوقود الأحفوري ومشاكل التلوث والتغير المناخي. وعاد في السنوات الأخيرة الحديث عن إنتاج الكهرباء عبر ألواح شمسية تُرسل إلى الفضاء وإرسال تلك الطاقة إلى سطح الأرض. وأعلنت اليابان مؤخرا نيّتها إرسال محطة تجريبية عام 2025 وسط سباق مع دول أخرى كالصين والولايات المتحدة. ويُعتبر عالم إيراني من الرواد في هذا المجال. فهل هي فعلا تقنية فعّالة؟
حُلم إنتاج طاقة كهربائية نظيفة ولا تنقطع وبكميات كبيرة يراود الكثير من الباحثين والمختصين عبر العالم. إذ يُعد استغلال الوقود الأحفوري غير مُستدام ويُغذي ظاهرة الاحتباس الحراري. يُعدّ ذلك حُلما في المتناول يقول مختصون عن طريق توليد الطاقة في الفضاء وإرسالها إلى الأرض. عدة دول وشركات تتسابق حاليا لتحقيق ذلك من بينها الصين واليابان.
وأعلنت اليابان نيّتها، ابتداء من العام المقبل، إرسال ألواح شمسية إلى الفضاء لتوليد الطاقة وإرسالها إلى الأرض ضمن المشروع المُسمى Ohisama أو الشمس باللغة اليابانية. هي مهمة تجريبية لفتح الطريق نحو إنشاء محطات حقيقية لتوليد الطاقة في المدار لتزويدنا بما نحتاجه منها.
لماذا الفضاء عوض الأرض؟
يواجه إنتاج الطاقة الشمسية على سطح الأرض عددا من الصعوبات، فهو إنتاج مُتقطع بسبب توالي الليل والنهار أولا، وبسبب الأحوال الجوية التي تحجب أشعة الشمس، بالإضافة إلى الغلاف الجوي الذي يحجب أيضا جزء من تلك الأشعة ولو كان الجو صحوا. وتُقدر نسبة طاقة الشمس التي قد تجمعها الألواح الشمسية في الفضاء بقرابة ثمانية في المائة بينما لا تصل تلك النسبة على الأرض بالكاد إلى أقل من اثنين في المائة.
لكن كيف السبيل لنقل الطاقة التي تلتقطها ألواح شمسية في الفضاء، على بُعد مئات الكيلومترات فوق رؤوسنا، إلى الأرض لاستعمالها؟ لا يمكن استعمال أسلاك ناقلة. وتم ابتكار تقنية لتحويل الطاقة الكهربائية المُولَدة إلى موجات كهرومغناطيسية كالميكروويف يتم التحكم فيها بشكل دقيق لتوجيهها. ومن بين الرواد في هذا المجال، هناك الباحث الإيراني علي حجيميري الذي هاجر إلى الولايات المتحدة ويعمل في مؤسسة كاليفورنيا للتقنية CALTECH.
وأرسل فريق الباحث العام الماضي قمرا اصطناعيا تجريبيا على متن أحد صواريخ شركة سبيس X يحمل ألواحا شمسية ولّدت الطاقة. ولأول مرة على الإطلاق، نجحت التجربة في نقل الكهرباء المُولدة إلى الأرض عبر موجات كهرومغناطيسية.
نجاح أذكى حماس شركات ودول أخرى للمثابرة في هذا المجال. وتعمل حاليا وكالة الفضاء الأوروبية ESA التي تشارك فيها فرنسا على مشروع تجربيي مماثل يُسمى SOLARIS.
أما الصين، فقد أعلنت نيتها إنشاء أول محطة متكاملة لإنتاج الطاقة الشمسية في مدار الأرض في حدود عام 2030 كخطوة أولى على أن يصل الإنتاج عام 2050 إلى ما يعادل ما تنتجه محطة نووية من طاقة، حسب المشروع الصيني.
مُعوقات جمّة قبل نجاح مُقنع
فكرة إنتاج طاقة شمسية انطلاقا من مدار الأرض في الفضاء، ليست بالجديدة. إذ نظّر لها العلماء الأمريكيون منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي. لكنهم سرعان ما تركوا تنفيذ الفكرة بسبب تكاليفها الباهظة جدا. ويتطلب نقل أغراض إلى الفضاء بناء صواريخ فعالة تستهلك كميات ضخمة من الوقود. ولإنتاج كمية معتبرة من الطاقة في الفضاء، يجب بناء محطات من الألواح الشمسية على مساحة تُقدر بعدة كيلومترات مربعة.
غير أن التقدم التكنولوجي في العقود الأخيرة دفع العديد من المختصين إلى إعادة تقييم كلفة مشاريع كهذه. وأصبحت اللوحات الشمسية خفيفة وسهلة الطي. كما يُعول على التقدم في مجال الآلات الروبوتية لبناء محطات ضخمة في الفضاء. ولكن التطور الأبرز مؤخرا هو الذي طرأ في مجال إطلاق الصواريخ الحاملة لأغراض إلى الفضاء، مثل ما يحصل من تطور مضطرد لصواريخ شركة Space X. كلها عوامل تدفع كثيرا من المحللين إلى القول إن إنتاج الطاقة الشمسية في الفضاء قد يكون وسيلة فعالة نستفيد منها فعليا ابتداء من منتصف القرن الحالي.
لكن في انتظار أن تُنجز بالفعل تكنولوجيات جديدة تُخفض التكلفة، النقاش لا زال مستمرا بشأن نجاعة إنتاج الطاقة الشمسية في الفضاء. ففي تقييم داخلي لوكالة ناسا نُشر بداية هذا العام، تقول وكالة الفضاء الأمريكية إن التقنية لا تزال غالية جدا حاليا. كما يُطرح السؤال عن “نظافة” التقنية فعلا إذا صح التعبير. فحجم الغازات الدفيئة الذي ستخلفه الصواريخ الناقلة للألواح الشمسية كبير جدا. ولبناء محطة واحدة يتوجب إقلاع عشرات الصواريخ من الأرض. فهل سترى فعلا هذه التقنية النور يوما؟ كل شيء يتوقف على صبر المستمثرين، دُولا أو شركات، لتمويل الأبحاث بشأن حلول فعالة في السنوات والعقود المقبلة.