تاريخ النشر : 21 ابريل 2023
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عرفت بغداد اول نوع من المواصلات العامة بعد إنشاء تارمواي بغداد – الكاظمية في عام 1870. بتشجيع من الوالي العثماني مدحت باشا، أسس مجموعة من أثرياء وتجار بغداد شركة مساهمة تملكت التارمواي الذي امتدت سكته من بغداد إلى الكاظمية واستمر نقل المواطنين حتى عام 1946 بعد قرار الحكومة العراقية، وقتها، امتلاك وسائل النقل العمومية في بغداد وباقي مدن البلاد.
في ثلاثينات القرن الماضي، بدأت أمانة بغداد في تشغيل خطوط تجريبية محدودة في بعض مناطق بغداد عبر تسيير باصات بدائية معظمها كانت شاحنات في الجيش البريطاني وتم شرائها من قبل الحكومة العراقية وتحويرها في ورش النجارة المحلية لتناسب النقل العام. بعد توزيع المدينة وضواحيها إلى خطوط سير الباصات والساعات التشغيلية التي كانت تبدأ في السادسة صباحا وتنتهي في منتصف الليل، تم استيراد أول وجبة باصات بطابق واحد من بريطانيا في عام 1946 وهذا التاريخ هو التاريخ الرسمي لتأسيس مصلحة نقل الركاب.
في عام 1956، استوردت أمانة بغداد الباصات الحمراء ذات الطابقين من بريطانيا وتقليدا لنظام الباصات الموجود في العاصمة البريطانية، لندن، وبهذا تكون بغداد العاصمة العربية الوحيدة التي استنسخت نظام المواصلات العامة في لندن وجعلته واقعا حياً في شوارعها. الظروف السياسية التي مر بها العراق، دفعت أمانة بغداد إلى استيراد باصات ذات طابق واحد في الستينيات والسبعينات مرة من مصر ومرة من هنغاريا ولكن كلا النوعيتين لم تنجحا في تلبية متطلبات النقل العام في المدينة وفشلتا في الحصول على قبول المواطن البغدادي التي اعتاد قطع تذكرة زهيدة الثمن وركوب باص أحمر ذي الطابقين.
في منتصف السبعينات، عادت أمانة بغداد إلى التعاقد مع شركة بريطانية واستوردت الباصات الحمر ذوات الطابقين لتنقل الناس داخل العاصمة العراقية بأثمان زهيدة وصارت هذه الباصات من العلامات المميزة لبغداد ومن وسائل النقل التي يستخدمها العراقيون بمختلف طبقاتهم وأعمارهم. حتى زوار العاصمة من المحافظات الأخرى تعلموا على تجربة ركوب الباص الأحمر ذي الطابقين ولو لمرة واحدة على الأقل وتعلموا على حفظ أرقام سير الباصات واتجاهاتها ومناطق توقفها بما يتوافق مع الأماكن التي يخطط لزيارتها القادمون إلى العاصمة.
بعد التغيير السياسي الذي حدث في العراق عام 2003، توقفت الباصات عن العمل لبضعة أعوام وعادت مؤخرا إلى شوارع بغداد بعد أن نجحت أمانة بغداد في استيراد وجبة جديدة من الباصات الحمراء ذات الطابقين المكيفة من بريطانيا وتوزيعها على خطوط السير القديمة مع استحداث خطوط سير جديدة تتناسب مع التوسع الجغرافي الذي حدث في المدينة خلال العقود الأخيرة وتتناسب مع التضخم السكاني أيضا. تعتبر فكرة تشغيل الباصات الحمر ذوات الطابقين محاولة للحفاظ على هوية بغداد المميزة ومحاولة للتخفيف من الازدحام المروري الكبير في الشوارع الناتج عن زيادة أعداد السيارات الخاصة خلال العقدين الأخيرين. لا يمكن تخيل بغداد وأضوائها الملونة بلا باصات حمراء ذوات طابقين تحمل الناس إلى مقاصدهم طول ساعات اليوم وكل أيام السنة.