• الثلاثاء. مارس 11th, 2025

هل نتحدث لغة الحيتان؟ علماء يكتشفون تشابهًا غير متوقع!

في اكتشاف مثير، كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية “ساينس” عن وجود تشابه في القوانين الإحصائية بين أغاني الحيتان الحدباء واللغات البشرية، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم لغات الكائنات الحية.”

الحوت الأزرق
صورة | الحوت الأزرق | Giphy

لإجراء هذه الدراسة، قام الباحثون بتحليل تسجيلات لأغاني الحيتان الحدباء، والتي تم جمعها على مدى ثماني سنوات في منطقة كاليدونيا الجديدة الفرنسية، شرق أستراليا، وقد اعتمدوا في تحليلهم على أساليب مستوحاة من الطريقة التي يتعلم بها الأطفال لغتهم الأم.

على الرغم من التعقيد الهائل الذي تتسم به اللغات البشرية، إلا أنها تخضع لنمط إحصائي مدهش. فالكلمات الأكثر استخدامًا في أي لغة بشرية تظهر ضعف عدد المرات مقارنة بالكلمات التي تليها في الترتيب، وثلاثة أضعاف مقارنة بالكلمات التي تليها بعدها، وهكذا بتسلسل منتظم.

ينتج عن هذا النمط توزيعٌ تصبح فيه بعض الكلمات شائعة للغاية وتتكرر آلاف المرات، بينما يوجد عدد كبير من الكلمات التي نادرًا ما تُستخدم. هذا النمط الإحصائي يُعرف في الأوساط العلمية باسم “قانون زيف

على سبيل المثال، إذا قمت بتحليل جميع الكتب الموجودة في مكتبتك، وعددت جميع الكلمات، ستجد أن أكثر كلمة شيوعا قد تكررت مليار مرة، في حين أن الكلمة التي تليها ستتكرر نصف مليار مرة فقط وهكذا.

يقول مدير مركز تطور اللغة “سايمون كيربي”، في جامعة إدنبره في أسكتلندا، والمشارك في الدراسة، في تصريحات خاصة للجزيرة نت: “لقد عرفنا عن هذا النمط (نمط زيف) في اللغات البشرية منذ ما يقرب من 100 عام، وهو ما دفع العديد من الباحثين إلى التساؤل عمّا إذا كان من الممكن العثور على نمط مماثل في طرق الاتصال الخاصة بالأنواع الأخرى. والمثير للدهشة أنه على الرغم من حقيقة أن جميع الكائنات الحية تتواصل، فقد ثبت، حتى الآن، أن هذا النمط من الصعب العثور عليه في أي مكان آخر في الطبيعة”.

تحليل أغاني الحيتان

يكمن جوهر التحدي في تحديد ما يشبه الكلمات ضمن أغاني الحيتان، وهو تحدٍ يوازي صعوبة فهم لغة غير مألوفة. تخيل أنك تستمع إلى محادثة بالفرنسية لأول مرة؛ ستجد صعوبة في تمييز بداية ونهاية الكلمات، حيث يتدفق الكلام بشكل متواصل. في هذه الحالة، ستحتاج إلى طلب التحدث ببطء أو كتابة الكلام لتحديد الكلمات الفردية.

واجه الباحثون تحديًا مماثلًا عند تحليل أغاني الحيتان، حيث سعوا إلى تقسيم التسجيلات الطويلة إلى وحدات أصغر قابلة للقياس. كان الهدف هو تحديد ما إذا كانت هذه الوحدات تتبع نمط قانون زيف الإحصائي. تمامًا كما يصعب على المستمع غير المتمرس فصل الكلمات في لغة أجنبية، واجه العلماء صعوبة في تحديد الوحدات الصوتية المنفصلة في أغاني الحيتان.

الحيتان في حالة سباحة
صورة | الحيتان في حالة سباحة | Unsplash

أوضح الباحث كيربي أن التحدي يكمن في تحديد كيفية تقسيم هذه الأغاني إلى أجزاء أصغر. وأشار إلى أن الأطفال الرضع يواجهون نفس المشكلة عند تعلم اللغة، حيث يستمعون إلى الكلام دون فواصل واضحة بين الكلمات. هذا يثير تساؤلاً حول كيفية تمكن الأطفال من تحديد بداية ونهاية الكلمات في اللغة المنطوقة، على الرغم من غياب الفواصل الصريحة.

لحل هذه المشكلة، استخدم الباحثون برنامجًا حاسوبيًا يحاكي الطريقة التي يستخدمها الأطفال الرضع في تعلم اللغة، حيث يعتمد على التنبؤ بالصوت التالي بناءً على التسلسل الحالي. عند تطبيق هذا البرنامج على تسجيلات أغاني الحيتان، تمكن الباحثون من تقسيم الأغاني إلى وحدات إحصائية متماسكة تشبه الكلمات البشرية.

هل فككنا شفرة لغة الحيتان؟

“يشير اكتشاف وحدات صوتية متماسكة إحصائيًا وتوزيعها وفقًا لنمط زيف إلى وجود روابط مشتركة عميقة بين الحيتان الحدباء والبشر، على الرغم من مرور ملايين السنين على انفصال مساراتنا التطورية. ويؤكد الباحثون أن استخدام أساليب مستوحاة من دراسة تعلم الأطفال للغة يقترح أن الحيتان قد تكتسب أغانيها بطريقة مشابهة لاكتساب البشر للغتهم، حيث تنتقل هذه الأغاني ثقافيًا بين الحيتان، تمامًا كما تنتقل اللغة بين البشر.”

على الرغم من هذا الاكتشاف المثير، لا يعني ذلك أننا قادرون على فهم لغة الحيتان أو التواصل معها مباشرة. فبينما تتبع أغاني الحيتان نفس الأنماط الإحصائية الموجودة في اللغة البشرية، لا يوجد دليل قاطع على استخدامها لنقل معانٍ معقدة كما يفعل البشر. يوضح الباحثون أن التشابه يقتصر على البنية الإحصائية، وليس على القدرة على التعبير عن أفكار مجردة.

يقترح الباحثون أنه إذا تم العثور على أنماط مماثلة في أنواع أخرى، مثل الطيور، التي تنقل أغانيها ثقافيًا، فإن ذلك يدعم فرضية التطور المتقارب. يشير هذا المفهوم إلى أن التطور قد أنتج إشارات متسلسلة معقدة ومنقولة ثقافيًا عدة مرات في تاريخ الحياة، وأن هذا النوع من البنية قد يكون نتيجة حتمية في كل مرة يحدث فيها ذلك. بعبارة أخرى، قد تكون الأنماط الإحصائية المشتركة هي نتيجة طبيعية للتطور، وليست بالضرورة دليلاً على وجود لغة معقدة بالمعنى البشري.

يؤكد الباحثون، أن هذا العمل المتعدد التخصصات لا يساعدنا فقط في فهم الحيتان، بل يسهم أيضًا في فهم أصول اللغة البشرية، فبمقارنة أنظمة الاتصال عبر الأنواع، يمكننا معرفة المزيد عن كيفية نشوء وتطور اللغة لدينا.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *