تاريخ النشر : 22 يونيو 2023
عبد الوهاب البياتي: المتمرد والشاعر الحديث
هو ثالث ثلاثة من الذين خرجوا عن القصيدة العربية الكلاسيكية وأدخلوا الحداثة إلى الشعر العربي وهو من دفع ثمنا كبيرا لتمرده ولأفكاره وقصائده التي نادت بنصرة المظلومين في أي مكان وزمان، إنه عبد الوهاب البياتي المولود في عام 1926 في منطقة باب الشيخ في بغداد قرب مرقد أيقونة التصوف، عبد القادر الكيلاني. بعد أن أكمل تعليمه في دار المعلمين العالية (كلية التربية لاحقا) عام 1950، عمل في تدريس اللغة العربية والصحافة وبعدها طرد من وظيفته وغادر العراق إلى الكويت والبحرين ومصر. في بداية العهد الجمهوري تسلم وظيفة الملحق الثقافي في موسكو ثم أستاذا للغة العربية في أحد الجامعات هناك. بسبب مناصرته للمظلومين ومعارضته للطغيان، أسقطت عنه الجنسية العراقية مرتين: مرة في عام 1963 ومرة أخرى في عام 1994.
شاعر الفقراء من منطقة باب الشيخ
مكان ميلاده في منطقة باب الشيخ قرب مرقد الكيلاني أثر في تكوين شخصيته وفي صياغة أشعاره فهو الذي عايش معاناة الفقراء في تلك المنطقة الشعبية وشاهد مناظر الجياع التي تحاول سد رمقها بكل الوسائل وهو الذي تفتح وعيه على الصوفية وأشعارها التي تحث على الزهد والمساواة وعلى حب الإنسان للخالق ولأخيه الإنسان. لم تغب أفكاره الصوفية عن كل أشعاره وبالرغم من كونه أحد رواد الحداثة في الشعر العربي (إلى جانب بدر السياب ونازك الملائكة) إلا أنه لم يتوقف عن استخدام الرموز الصوفية في ثيمات قصائده التي تمت ترجمتها إلى الكثير من اللغات لجودتها ولكونها خرجت من نطاق المحلية ودخلت أفاق العالمية.
تجارب عبد الوهاب البياتي في مصر ودعمه للجزائر
بعد أن ترك موسكو، عاش في مصر لستة أعوام وتجربته في هذا البلد أغنت فكره الصوفي المتحرر الذي انتصر للفقراء وتعرف على مصادر جديدة من عالم التصوف وأيقوناته الموجودة بكثرة في وادي النيل كما أنه عاش فترة نضال الجزائريين للحصول على استقلالهم والتي جعلته من أشهر الشعراء العرب الذين كتبوا شعرا يناصر حرية الجزائر وحتى اليوم الكثير من أبناء الجزائر لا يفرقون بين العراق وبين اسم هذا الشاعر الذي نذر صوته لنصرتهم.
عبد الوهاب البياتي: الشاعر البغدادي الصوفي ورحلته الثقافية
يجمع النقاد على أن البياتي عاش صوفيا ومات صوفيا وبالرغم من كونه عاش في عواصم غربية كثيرة وأقام في إسبانيا لعشرة أعوام كملحق ثقافي للعراق وبالرغم من كونه أقام صداقات قوية مع شعراء إسبان وأوربيين لكنه بقي مخلصا للفكر الصوفي الذي أدخله في عوالم من سمو الأفكار المطلقة الثورية التي تدعو للانعتاق من كل القيود والوصول إلى شواطئ الحرية. عاش فترة قصيرة في الأردن وبعد أن أسقطت عنه الجنسية العراقية للمرة الثانية، أقام أخر سنوات عمره في دمشق وتوفي عام 1999 ليدفن قرب أيقونة أخرى من أيقونات التصوف، محي الدين بن عربي، في دمشق. إنه صوفي من بغداد عاش معظم حياته باحثا عن الحرية ومات ليدفن خارج مدينته التي عشقها وخلدها في قصائده التي ستبقى محفورة في ذاكرة عشاق الشعر من العراقيين والعرب.