الباحث العماني علي بن حمد الريامي يتتبع حركة ألفاظ الحضارة العربية وتحولاتها من بيان الجاحظ إلى عقد ابن عبدربه.
يبحث كتاب “حركة ألفاظ الحضارة العربية.. من بيان الجاحظ إلى عِقْد ابن عبدربه”، للباحث علي بن حمد بن علي الريامي، في حركة ألفاظ الحضارة العربية من بيان الجاحظ (ت.255هـ) إلى عقد ابن عبدربه (ت.328هـ) في ضوء نظرية الحقول الدلالية.
ويوضح الريامي في كتابه، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” بالأردن (2022)، تطور دلالة الألفاظ ودور مظاهر الحياة المختلفة في إحداث مثل هذا التطور، لاسيما في انتقال تلك الألفاظ من بيئة إلى أخرى، أو من حضارة إلى أخرى، كما هي الحال في حركة ألفاظ الحضارة العربية بين المشرِق والمغرِب من خلال بيان الجاحظ الذي يمثل حضارة المشرِق، وعقد ابن عبدربه الذي يمثل حضارة المغرب.
ويشير الباحث إلى أن القرون الأولى لنشأة بلاد الأندلس في المغرب العربي شكلت مرحلة حضارية مهمة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، بما استجد من معطيات وخصائص حضارية متعددة في بلاد الأندلس، انعكس الكثير منها على الكتاب والأدباء والشعراء باستعمالهم ألفاظا ذات صفة حضارية يمكن جمعها وتصنيفها للكشف عن جوانبها الحضارية واللغوية في كتب اللغة والأدب في تلك المدة، لاسيما تأثرها بالألفاظ العربية المشرقية التي انتقلت إليها بانتقال الخلافة العربية إلى المغرب.
ويقول الريامي إنه اختار “البيان والتبيين” الذي يعد من أبرز المصنفات العربية والتراثية في المشرق العربي لأن هذا الكتاب بما يتضمنه من خطب ورسائل أدبية وأحاديث وأشعار، يشتمل على الكثير من الألفاظ الدالة على مظاهر الحضارة العربية في المشرق، أما اختياره لكتاب “العِقد الفريد” فيرجع إلى أن هذا الكتاب يعد من أبرز الموسوعات العلمية الأدبية والتراثية التي عرفت في بلاد الأندلس خاصة، والبلاد العربية عامة، وجمع فيه مؤلفه الكثير من النصوص الأدبية شعرا ونثرا.
واعتمد الباحث في كتابه على تحديد ألفاظ الحضارة بالمفهوم الذي يحصرها في الألفاظ المادية المحسوسة التي ابتدعها الإنسان، وأضافها إلى قائمة ألفاظه التي يستعملها في حياته اليومية، بعيدا عن الألفاظ التي تنتمي إلى ألفاظ الثقافة والطبيعة والتي من الممكن دراستها وفق حقلها الدلالي.
وتناول الكتاب ما أصاب ألفاظ الحضارة المترددة من بيان الجاحظ إلى عقد ابن عبدربه من تطور دلالي تمثل في الاتساع في الدلالة الذي يتمثل في زيادة عدد معاني الألفاظ، وتوسيع دائرة استعمالها، ونقلها من دلالتها المعهودة إلى دلالة أوسع وأعم، فتطورت الألفاظ المتحركة من بيان الجاحظ إلى عِقد ابن عبدربه بالتوسع في دلالتها، وشاع ذلك في الألفاظ الدالة على الثياب ومتعلقاتها؛ إذ كان هذا الحقل، بحسب الباحث، من أكثر الحقول رقيا وتقدما، وربما يعود ذلك إلى انبهار الناس بمظاهر الحياة الجديدة التي شهدتها الأندلس، وحرصهم على اقتناء الجديد من الثياب والملابس، فكانت أسواقهم عامرة بالمنتجات والمشغولات اليدوية المتعلقة بالملابس والأقمشة، كالحرير والصوف والقطن.
كما برز التطور الدلالي من خلال الانتقال في الدلالة، الذي يتمثل في تغير الحقل الدلالي للفظ وانتقاله إلى حقل آخر، لوجود علاقة أو ملمح يسوغ هذا الانتقال، فانتقلت دلالة الكثير من الألفاظ المتحركة من بيان الجاحظ إلى عِقد ابن عبدربه، وشاع ذلك في الألفاظ الدالة على وسائل معاش الإنسان، وهذا الانتقال يوحي بالتوسع في شتى مظاهر الحياة في الأندلس، وشغف الناس وتطلعهم إلى الحياة الجديدة، مما جعلهم يبدعون ويتفننون في ابتكار الوسائل والأدوات التي تسهم في تقدم وتطور مظاهر حياتهم المختلفة.
ونجد هذا التطور أيضا في الضيق في الدلالة الذي يتمثل في قلة عدد معاني الألفاظ، وتضييق مجال استعمالها، ونقلها من المعنى العام إلى الخاص، فضاقت دلالة بعض الألفاظ المتحركة من بيان الجاحظ إلى عِقد ابن عبدربه، وشاع ذلك في الألفاظ الدالة على المطعومات والمشروبات، وذلك راجع إلى الطفرة التخصصية التي لحقت هذا المجال من الألفاظ، كما يرى الريامي.
ويذكر أن الكتاب جاء في أربعة فصول، تناول الأول حقول الألفاظ الدالة على البيوت والدور والقصور ومتعلقاتها، والثاني حقول الألفاظ الدالة على المطعومات والمشروبات ومتعلقاتها، والثالث تناول حقول الألفاظ الدالة على الثياب ومتعلقاتها، بينما تناول الفصل الأخير حقول الألفاظ الدالة على وسائل معاش الإنسان.