• الثلاثاء. ديسمبر 3rd, 2024

قرارات داعش التعسفية كثيرة ومنها تجريم كل شيء يتعلق بالموسيقى حتى لو كان خلف الأبواب المغلقة والعقوبات تراوحت بين حرق الأشرطة الموسيقية وتحطيم الآلات الموسيقية إلى جلد أو إعدام المدنيين في الأماكن العامة. بعد سيطرته على مدن وبلدات شمال-غرب العراق وشمال-شرق سوريا، أصدر التنظيم قائمة من الممنوعات كمنع التدخين ومنع محلات حلاقة الرجال ومنع كل النشاطات الموسيقية.

كباقي المدن التي احتلها داعش، خيم على الرقة كابوس تجريم وتحريم الموسيقى وتداعياته المؤلمة. في ذلك الوقت العصيب، أعلن “والي الرقة” المزعوم عبر منابر المساجد ووسائل النشر الأخرى: “منع بيع أقراص الغناء وآلات الموسيقى وتشغيل الاغاني في السيارات والحافلات والمحلات وجميع الأماكن.” في الوقت ذاته، منع عناصر داعش جميع المدارس في المدن التي كانت تحت سيطرته من تدريس الموسيقى للطلاب وفرض دروس تدريب الأطفال على استخدام السلاح بغرض تجنيدهم لاحقا لما يسمى “أشبال الخلافة.” وهكذا كانت الرقة والموصل والحسكة ومدن أخرى مصنفة كـ “مدن محرومة من الموسيقى” ومواطنيها محرومون أيضا من حقوق أخرى لاسيما الخصوصية التي تسمح للشخص بسماع الموسيقى أو عزفها خلف الأبواب المغلقة دون تهديد للسلم المجتمعي.

مازال سكان الموصل يتذكرون أيهم حسين، المراهق ابن الـ 15 عاما الذي كان يجلس في دكان أبيه ويسمع الموسيقى في يوم من الأيام واعتقله عناصر التنظيم وأخذوه إلى محكمة شرعية حكمت عليه بالإعدام ذبحا أمام الناس لأن هذه المحكمة اعتبرت “سماع الأغاني والموسيقى، غير تلك الأناشيد الجهادية، إثمٌ ديني وفجور.” أمين سالم، عازف كمان عاش فترة سيطرة داعش على الموصل، قد واصل عزف الموسيقى في بيته كوسيلة سلمية لمقاومة الإرهاب وسجل بعض المقطوعات بمساعدة أحد أصدقائه ولا يعلم كيف علم عناصر التنظيم بما كان يفعله في الخفاء فقد داهموا، بعد عدة أيام، بيته وصادروا آلاته الموسيقية، وهي جيتار، وكمانان، وتشيللو، وقانون ولا يعرف مصيرها حتى هذه اللحظة.

متجر الربيع للموسيقى، أحد أقدم متاجر الموسيقى في الموصل، (تأسس في 1968) خير شاهد على كراهية الدواعش للموسيقى. عمار طه، مالك المتجر تمكن من إنقاذ ما لديه من تسجيلات نادرة قبل أن تقع في أيدي عناصر التنظيم بين عامي 2014 و2017. يقول صاحب المتجر: “طبعا في فترة وجود داعش في مدينة الموصل أغلق المحل لمنع تداول الأغاني وحظر أشرطة التسجيل، لكني تمكنت في حينها من رفع هذه الأجهزة والأشرطة والأرشيف وأضعه في أكثر من مخبأ آمن.” يضم هذا المتجر معظم نتاج المدينة الموسيقي فهو يضم أرشيفا يصل إلى نحو 40 ألف ساعة، يجمع بين الغناء العراقي بمختلف ألوانه، فضلا عن الغناء العربي، وشتى صنوف الغناء والموسيقى الغربية.

لا يوجد نص صريح في الشريعة يحرم الموسيقى ولا نص يبيحها كما أن الدول العربية والإسلامية التي اعتبرت الإسلام دين الدولة الرسمي في دساتيرها لم تجرم الموسيقى وإذاعاتها وتلفزتها تبث الموسيقى طول الوقت، فمن أين جاء الدواعش بفتوى تحريم الموسيقى وتجريم التعاطي بها؟ استحق الدواعش لقب “أعداء الجمال” و”كارهي الموسيقى” أو “الأشرار” الذين ذكرهم المثل الشائع: “ابق حيث الموسيقى والغناء فالأشرار لا يغنون.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *