تاريخ النشر : 9 مايو 2023
كلمات دالّة: كهرمانة, منطقة الكرادة, شارع السعدون, تركيا, اخبار تركيا, بغداد, قهرمانة, بنت كهرمانة, علي بابا والأربعين حرامي
طالما أثارت التماثيل والنصب المنتشرة في ساحات بغداد فضول زوار المدينة من عراقيين وأجانب فلكل نصب حكاية ارتبطت بتاريخ المدينة العريق ومنها نصب كهرمانة الذي نفذه الفنان محمد غني حكمت عام 1971 وتم وضعه في ساحة كهرمانة الواقعة بين شارع السعدون ومنطقة الكرادة. حينما سئلت زها حديد عن أي تمثال يصلح أن يكون رمزا لبغداد، أجابت، بلا تردد، أن نصب كهرمانة هو الأفضل كونه يمثل العصر الذهبي للمدينة ويتطابق مع الصورة المنتشرة بين الناس في مشارق الأرض ومغاربها عن بغداد، أرض السحر والعجائب والحكايات.
أصل الاسم هو قهرمانة وتحولت القاف بمرور الزمن إلى كاف وهي مؤنث قهرمان التي جاءت إلى العربية من التركية أو الفارسية فقهرمان في التركية تعني البطل وفي الفارسية هي كهرم التي تعني العامل الإيجابي الأكثر تأثيرا. لا يعتبر الكهرمان من الأحجار الكريمة بل يضاهيها روعة وهو مادة صمغية سقطت من الأشجار ودفنت تحت الأرض لحقب زمنية طويلة وكالينيغراد الروسية هي اليوم أرض الكهرمان والمصدَر الأول له. لا علاقة بين النصب في بغداد وبين مدينة كهرمان مرعش في تركيا التي دمرها الزلزال مؤخرا ولا علاقة بين هذا النصب وبين قصة “علي بابا والأربعين حرامي” التي وردت في “ألف ليلة وليلة”، كتاب الحكايات العجيبة.
أصل الحكاية هي أن بنت اسمها كهرمانة، الطفلة الشجاعة التي عرفت بالذكاء والفطنة وبنت رجل يملك خانا (فندقا لإيواء المسافرين) كما يملك عربة يضع فيها جراراً فخارية مملوءة بالزيت ليبيعها في الأسواق كل صباح. في ليلة شتاء باردة، نهضت البنت الذكية من فراشها بسبب سماعها أصوات غريبة صدرت من غرباء (لصوص كما ورد في الحكاية) اختبأوا في الجرار الفخارية الفارغة وأطلوا برؤوسهم لمراقبة رجال الشرطة الذين أحاطوا بالمكان. أخبرت البنت والدها واتفقت معه على خطة ذكية للقبض على اللصوص عبر إحداث ضجة مفتعلة وبعدها ملئت أحد الأواني بالزيت الساخن وراحت تصبه في الجرار الفخارية فأخذ اللصوص بالصراخ والعويل والذي أوقعهم بيد رجال الشرطة. المصادر التاريخية تشير إلى أن الحكاية وردت في كتاب الليالي العربية وتشير أيضا إلى أن الحكاية ذاتها كانت متداولة أيضا في عراق ما قبل الإسلام وبلاد فارس وبلاد الهند والسند فلا عجب أن تنال إعجاب المواطنين والفنانين والشعراء حتى يومنا هذا.
كتب شعراء كثيرون عن كهرمانة فمظفر النواب كتب قصيدته الأخيرة عنها على فراش الموت وكريم العراقي كتب عن كهرمانة، البنت البغدادية الذكية الشجاعة وكتب أيضا وليد جاسم الزبيدي قصيدة شهيرة بالاسم ذاته أما الشاعر الشاب خلف المشعان فقد كتب مؤخرا قصيدة باسم الفتاة التي اصطادت اللصوص والتي صنفت كقصيدة من نوع النقد الساخر الذي يخاطب الجمهور عبر لبس قناع يتماهى مع قصة كهرمانة. يصنف هذا النصب في سيرة شيخ النحاتين محمد غني حكمت وفي تاريخ النحت العراقي المعاصر بأنه أول نصب في المدرسة الواقعية الفنية العراقية وأول نصب واقعي يخرج من قاعات المعارض الفنية إلى الهواء الطلق ليكون علامة دالة للمشاة وسائقي السيارات والباصات ولزائري المدينة الذين يمكنهم تمييز هذا النصب والبنت التي تسكب الزيت على رؤوس اللصوص المختبئين في الجرار.