لم تسلم أية دولة بالشرق الاوسط أو العالم من ارهاب الجماعات المتطرفة التي خرجت في دهاليز الظلام من رحم جماعة الإخوان المسلمين في فترة الستينات. وقد دفعت العديد من التغييرات العالمية في ذلك الحين وقسوة الواقع الذي ولدت فيه تلك الجماعات إلى تبني أعضائها أفكار سوداوية ومتطرفة ترفض مبادئ الديمقراطية وتندد بالمشاركة السياسية وحركات الإصلاح. وذهب العديد من أعضاء تلك الجماعات إلى تكفير المجتمع بأسره والمناداة باستخدام العنف والإرهاب كوسيلة وحيدة للانتقام وتغيير الواقع من اجل إقامة دولتهم الإسلامية المزعومة.
تحول المولود إلى مارد
وسرعان ما فقد المولود الجديد شرعيته بعد رفضه من عامة المسلمين، وتبرؤ جماعة الاخوان المسلمين الام الشرعي لتلك الجماعات بالتبرؤ من أفكاره المؤيدة للعنف والإرهاب. كما جاء تحالف تلك الجماعات مع نظام السادات ضد اليسار والحركة الطلابية في فترة السبعينات ليقضي على ما تبقى من شرعية وقبول لتلك الجماعات بين عامة المسلمين وأبناء مصر البسطاء. وتكاتفت تلك التغيرات لتحول المولود الجديد إلى مارد يرفض الواقع ويعتقد ان اغتيال الرئيس المصري السادات في 1981 قد يغير تلك الاوضاع. ولم تأت رياح اغتيال السادات بما تشتهي سفن تلك الجماعات من تغيير الأوضاع القائمة واستعادة “الخلافة” المزعومة. بل قادت وعلى العكس من ذلك إلى حملة غير مسبوقة من الاعتقالات والتعذيب من قبل الدولة المصرية بحق تلك الجماعات.
دفعت قسوة الواقع الجديد اغلب أعضاء تلك الجماعات إلى الفرار خارج البلاد وبدء مسيرة الجهاد الذي لا يعترف بالحدود او العابرة للقارات. واختار أعضاء تلك الجماعات الهجرة إلى أفغانستان من اجل الجهاد والقضاء على الجيش الروسي المحتل لبلاد المسلمين. وجاء انهيار الاتحاد السوفيتي المفاجئ وخروج جيوشه الجرارة من أفغانستان ليقنع تلك الجماعات زيفا بأن مسيرة الجهاد العابرة للقارات تسير على ما يرام ويمكنها تحقيق المزيد وتصديرها إلى العديد من البلاد.
إرهاب عابر للقارات
هاجر الكثير من العائدين من أفغانستان إلى البوسنة، التي كانت جزءا من يوغسلافيا سابقا، لنشر الإسلام وتحريرها من سطوة الشيوعيين الذين لا يرغبون بالرحيل رغم انهيار الاتحاد السوفيتي. كما قام البعض بالرحيل إلى السودان ودول افريقيا لنشر الإسلام ومساعدة أسامة بن لادن في حربه ضد المصالح الغربية. وشهدت تلك المرحلة واحدة من أعنف واسوء العمليات الإرهابية التي استهدفت المصالح الغربية والأنظمة العربية على السوا. بدأت تلك الموجة من العنف بتفجيرات مركز التجارة العالمي بنيويورك في نوفمبر 1993 والتي خلفت 6 قتلى وألفا من المصابين. أعقبها محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك، نجا منها بأعجوبة، اثناء زيارته للعاصمة الاثيوبية، اديس بابا، في 1995. وبعدها تفجير السفارات الامريكية في كينيا وتنزانيا في عام 1998 الذي خلف 224 قتيلا وما يقارب 4500 من المصابين. واخير وليس اخرا اقدامهم على تفجير السفينة الحربية الامريكية (USS Cole) اثناء تواجدها بميناء عدن والذي راح ضحيته عشرات القتلى والمصابين من بحارة السفينة.
عودة الأبن الضال
وجاءت احداث سبتمبر 11 لتوقظ العالم على خطر الإرهاب الجديد وتدفع بقوات التحالف لمطاردة أعضاء تلك الجماعات الإرهابية في العديد من الأماكن وعلى رأسها أفغانستان. وجاءت عمليات التحالف في افغانستان ومن بعدها بالعراق لتؤكد لتلك الجماعات أنهم بصدد حرب جادة على الإرهاب وأن الوقت قد حان لعودة أعضائها إلى مصر أو اليمن وسوريا والعراق من اجل استكمال الجهاد والدفاع عن بلاد الإسلام. ولم تسلم المنطقة بأسرها من عودة الأبن الضال وغضبه التي أشعلت الفتنة سريعا بين السنة والشيعة وبدأت موجة غير مسبوقة من القتل والتفجير طالت كل مدن وقرى سوريا والعراق. وأصبحت المنطقة باسرها بعد وصول الزرقاوي ورجاله تعم بالفوضى التي أدت إلى تدمير تلك البلاد ونزوح اغلب سكانها إلى معسكرات الايواء.
وواجهت مصر موجة غير مسبوقة من العمليات الإرهابية مع بداية عام 2004 بدأت بعدد من التفجيرات المتزامنة التي استهدف أحدها فندق هيلتون طابا وأسفر عن مقتل واصابة العشرات من الإسرائيليين والمصريين على حد سواء. وقد سارع في حينها تنظيم التوحيد والجهاد الذي تأثر بأفكار تنظيم القاعدة بالإعلان عن مسؤوليته عن أغلب تلك التفجيرات.
وأعقب ثورة يناير المصرية موجه جديدة من العمليات الإرهابية والتي جاءت في اعقاب الغياب الأمني الغير مسبوق في مصر بسبب عدم الاستقرار. وقد نفذت اغلب تلك العمليات جماعة بيت المقدس التي أعلنت في 2014 عن مبايعة داعش وتغيير اسمها إلى ولاية سيناء. وقد شهدت مصر وسيناء اسوء الحوادث الأمنية في تلك الفترة وعلى رأسها مذبحة مسجد الروضة التي راح ضحيتها أكثر من 300 مصلي من أبناء سيناء واسقاط الطائرة الروسية الذي أدى إلى مقتل كل ركاب وطاقم الطائرة والقضاء على السياحة في سيناء.