• الخميس. نوفمبر 21st, 2024

المغرب ـ دعوات غامضة لهجرة جماعية نحو أوروبا.. من يقف خلفها؟

سبتمبر 20, 2024 #المغرب

حملة جديدة تغزو مواقع التواصل للهجرة الجماعية من السواحل المغربية نحو أوروبا، والسلطات المغربية تتصدى لهذه الحملات وتتحرى عن المتورطين المشتبه بهم في التحريض عليها. لكن لما يندفع الشباب المغربي للمغامرة بحياتهم في البحر؟

مهاجرون يحاولون الوصول لنقط العبور من مدينة الفنيدق المغربية نحو سبتة

عاشت مدن مختلفة في المملكة المغربية أجواء مشحونة نهاية الأسبوع الماضي، خاصة مدينة الفنيدق التي شهدت تواجدا أمنيا مكثفا واستعدادات سبقت وصول آلاف الأشخاص من مختلف ربوع المغرب، تلبية لدعوة هجرة جماعية مجهولة المصدر.

كما أن الحملة الأمنية شملت الكثير من المناطق المغربية الأخرى حسب حقوقيين، إذ تم تفتيش مختلف محطات السفر لمنع من يشتبه في أنهم يريدون التوجه للمناطق الشمالية لمحاولة العبور إلى سبتة.

كما سبق يوم 15 شتنبر (سبتمبر/أيلول 2024 ) حملة اعتقالات في صفوف شباب ساهموا في الترويج لتاريخ المحاولة الجماعية، وتم القبض حسب المصادر الأمنية المغربية على 60 شخصا. وقد تم إخضاعهم لإجراءات البحث القضائي، تحت إشراف النيابة العامة المختصة.

اتهامات سياسية!

بينما لم تعلن أي جهة رسمية في المغرب عن أي جهة محتملة يمكن أن تكون وراء الحملة التي انطلقت من وسائل التواصل الاجتماعي، بل قامت باعتقال مواطنين مغاربة متورطين فيها. قام محمد بنعبد القادر، وزير العدل المغربي السابق المنتمي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، باتهام الدولة الجارة بالضلوع في التخطيط للأزمة التي يشهدها الشمال المغربي.

واتهم الوزير السابق المخابرات الجزائرية بالتحريض على محاولات هجرة جماعية من المغرب إلى سبتة في تغريدة عبر منصة “X”، وأسماها “عملية كاستيليخوس” المستهدفة للقاصرين والشباب المغاربة والمروّج لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

المسؤولون الإسبان أيضا عبروا عن توجسهم من مصدر الحملة والهدف وراءها، ومنهم المتحدث باسم حكومة سبتة، أليخاندرو راميريز، الذي قال في تصريحات نقلها موقع “إلفارو دي سوتا” إن “هذه الموجة لا يمكن أن تكون عفوية، ويلزم البحث عمن يقف وراءها على مواقع التواصل الاجتماعي”. وأشار راميريز إلى أن “الحكومة مقتنعة بأن العمل الذي تقوم به أجهزة الاستخبارات الإسبانية بالتعاون مع المغرب سيؤتي ثماره”.

كما انتشر فيديو لشابة تشتكي أوضاعها الاجتماعية المزرية، وتناشد ملك المغرب ورئيس حكومته التدخل لإنقاذها من الأزمة التي دفعتها للتفكير في الهجرة سباحة من الشمال نحو إسبانيا، ليتضح في نهاية تصريحها، أنها على ما يبدو جزائرية. (ولم تستطع DW التحقق من صحة الفيديو وجنسية المتحدثة). 

وحسب وسائل الإعلام المحلية، فإن السلطات المغربية قد أوقفت 519 أجنبيا، 164 منهم يحملون الجنسية الجزائرية خلال الاعتقالات التي استهدفت الشباب الذين انساقوا وراء عمليات التحريض على الهجرة الجماعية، إضافة إلى 318 شخصا ينحدرون من دول جنوب الصحراء، إلى جانب 37 مهاجرا من جنسيات أخرى تونسية وآسيوية.

لكن تصريحا لمحمد بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، أوضح أنه “ليس من الغريب اكتشاف وجود جزائريين يحاولون الوصول إلى إسبانيا عبر معبر سبتة أو من الحدود البحرية المغربية، لأننا دائما ما نرصد تواجدهم طوال السنة، مثلهم مثل المغاربة والتونسيين، أو القادمين من دول جنوب الصحراء”.

واستطرد المتحدث موضحا أن “الأمر الغريب ليس في وجود جزائريين في شمال المغرب، بل في الحسابات الوهمية مجهولة المصدر، والتي أججت الرأي العام ودعته للاحتجاج على الأوضاع”.

الباحث المغربي المصطفى السعليتي المتخصص في علم النفس الاجتماعي، فيرى أن “إقبال هؤلاء الشباب على مثل هذه المغامرة الخطيرة، ناتج عن كون مستوى إدراك المخاطر غير سليم بالنظر لظروفهم الاجتماعية والنفسية، وأن الظروف الصعبة التي يعيشونها تمنعهم من إدراك الخطر الذي قد ينتج عن محاولة الوصول بحرا، والمتجلي في الموت”.

وأضاف المتحدث في تصريح لـ DW عربية، أن “نسبة 5 بالمئة فقط كإمكانية للوصول إلى الضفة الأخرى، تمثل أملا نفسيا يٌغيب تفكير الشباب اليائس في المخاطر تماما، وتجعله يتشبت بفكرة أن الوصول هو النجاح في حد ذاته، أما الموت فلا يعتبر بالنسبة له خسارة، لأن إدراكه للموت والمخاطر خاطئ تماما في وضعيته النفسية الخاصة”.

تشجيع الأسر لأبنائهم على رحلة الموت.. ما الأسباب؟

حسب ما عاينه بن عيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، فإن جزءا كبيرا ممن حاولوا الهجرة سباحة يوم 15 سبتمبر/أيلول كانوا قاصرين، وأغلبهم تتراوح أعمارهم بين 9 و14 سنة“. ولفت المتحدث الانتباه إلى أن “تعامل السلطات مع هذه الفئة غلب عليه الطابع الإنساني، لكن حين اقتراب أي كان من الحدود فكانت السلطات تضطر لمنعهم من العبور”.

كما أكد المتحدث أن العديد من القاصرين كانوا برفقة شخص بالغ يرافقهم للأماكن التي يمكن أن يمروا منها سباحة، موضحا أن القوانين الإسبانية، صارت عنصر جذب لبعض الأسر، لأنها تحمي القاصرين بعد الوصول إلى إسبانيا وتوفر لهم المسكن وتضمن لهم التعلم، أي أن العائلات صارت تدرك أن وصولهم إلى سبتة يعني ضمان الرعاية والحقوق، ثم فرص العمل لاحقا بعد بلوغهم السن القانوني”. 

وما يراه كثيرون موافقة الأهل على محاولة القاصرين في وضعية هشة الوصول سباحة إلى سبتة، يبدو بالنسبة للمصطفى السعليتي، ترجمة لفقدان الأسر السلطة على أبنائها، وأن “الأسرة لم تعد تتحكم فعليا في اختياراتهم”. وإن كانت موافقة فعلية، فيراها الباحث “نتيجة لتحفيزات منها القوانين التي تحمي القاصر بعد وصوله إلى الضفة الأخرى والفرص (المحتملة ـ المحرر) التي تنتظره، أو ربما نماذج سابقة وصلت إلى أوروبا واستطاعت إنقاذ الأسرة من وضعية الفقر والهشاشة”.

من جهته، يرى محمد الحيتومي، الباحث المغربي في مجال السوسيولوجيا، أن “الهجرة صارت تتمظهر بشكل تراجيدي، يخوض فيها هؤلاء الأشخاص الخطر، خاصة منهم القاصرون، وذلك بحثا عن فرص حياة أفضل، لكن أن تلقي هذه الفئة بنفسها في البحر رغبة في الوصول إلى الضفة الأخرى، فهو مؤشر يدق ناقوس الخطر”.

الأبحاث السوسيولوجية توضح أن رغبة المغاربة في الهجرة مرتفعة عموما حسب المتحدث، “والأطفال جزء من هذا المجتمع، لكن نسبة من يحاولون الهجرة بهذه الطرق، لا تمثل المجتمع المغربي ككل”. وأشار الحيتومي في تصريح لـ DW “أن ما يزيد من استفحال ظاهرة الهجرة في صفوف القاصرين المغاربة هو ظاهرة الهدر المدرسي، مما يجعلهم يبحثون عن فرص للترقي الاجتماعي، وفرص للتكوين المهني في مجال يضمن لهم فرصة الحياة الكريمة في عصر تحكمه العولمة”.

أما عن موافقة الأهل على محاولات أبنائهم القاصرين الوصول إلى أوروبا بشتى الطرق، فيراها الحيتومي “استثمارا في أبنائهم، ليس فقط بمعنى الاستثمار المادي، لكن استثمار في مستقبلهم، خاصة في ظل تردي الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، التي تعمل الدولة على تطويرها، لكن التخوف من المستقبل يجعل الأسر لا تقبل لأطفالها أن يعيشوا أزمة لاحقا”.  

جدير بالذكر أن تداعيات الحملة الداعية للهجرة بحرا على وسائل التواصل الاجتماعي، تسببت في جعل الشباب في مناطق أخرى من المغرب يتهافتون على محاولات العبور نحو مناطق إسبانية أخرى. وقد تناقلت وسائل إعلام مغربية أخبارا عن ظهور جثت تلفظها الشواطئ بمختلف سواحل المغرب، وأيضا إحباط عمليات هجرة سرية واعتقال المتورطين.

وحسب الحقوقي بن عيسى، فإن الأمر يتكرر سنويا في هذه الفترة، لأن “شهر شتنبر هو الشهر الأخير في السنة الذي يتحمل خلاله المهاجرون برودة المياه وعلو أمواج البحر، قبل أن تزداد الأوضاع سوءا خلال الأشهر الأخيرة من العام”.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *