ازدحمت مركبات العائدين على امتداد طريق صلاح الدين بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من منطقة نتساريم في غزة، بينما أعلن مسؤول أممي تجنب المجاعة في القطاع بشكل كبير، داعياً لاستمرار الهدنة.

اصطفت سيارات وشاحنات صغيرة وعربات على طول طريق صلاح الدين اليوم الأحد (التاسع من فبراير/ شباط 2025) بعدما سحبت إسرائيل قواتها من محور نتساريم الاستراتيجي الفاصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه.
وكانت حركة السير شديدة البطء على طول الطريق التي تراكمت على جانبيها جبال من الأتربة نقلتها جرافات إسرائيلية غادرت الآن، إلى الجزء الشرقي من محور نتساريم.
وبعد حرب استمرت أكثر من 15 شهرا أدت الهدنة الهشة مع حركة حماس التي دخلت حيز التنفيذ الشهر الماضي إلى قيام القوات الإسرائيلية بالحد من وجودها في قطاع غزة.
وأُعيد فتح محور نتساريم وطريق صلاح الدين بشكل كامل الأحد، بعد الانسحاب الإسرائيلي في أعقاب إتمام عملية تبادل خامسة للرهائن والمعتقلين السبت كجزء من اتفاق الهدنة.
وكانت حركة حماس قد قالت في وقت سابق من اليوم الأحد إن الجيش الإسرائيلي انسحب من محور نتساريم في قطاع غزة وذلك في خطوة متوقعة بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل والحركة.
ويشار إلى أن حركة حماس جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنف في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
“دمار مرعب”
ومن بين المركبات التي كانت تشق طريقها على المسلك الترابي، شاحنات تنقل أمتعة منزلية وبطانيات وسجادا وأثاثا. وتمكن العديد من الفلسطينيين من التنقل في المنطقة بعد طول انتظار، وعادوا إلى منازلهم ليجدوها مدمرة جراء المعارك.
وفي هذا السياق قال أسامة أبو كميل (57 عاما) من سكان المغراقة شمال نتساريم: “ما شاهدناه كارثة، دمار مرعب، الاحتلال دمر كل المنازل والمحلات والمزارع والمساجد والجامعات ومقر المحكمة”.
وأوضح الرجل الذي كان نازحا لأكثر من عام في منطقة المواصي بخان يونس في جنوب القطاع “سأنصب خيمة لي ولعائلتي بجانب ركام المنزل، لا خيار لدينا”. وتابع أبو كميل بالقول: “نريد أن نتكيف مع الظروف القاسية الحالية، لقد عشنا معاناة شديدة في الخيام المهترئة” موضحا أن “الحياة في غزة أسوأ من الجحيم”.
وخلال الحرب التي أشعلها هجوم حماس الإرهابي غير المسبوق على إسرائيل في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قام الجيش الإسرائيلي بقصف غزة بشكل متواصل مما أدى إلى تدمير جزء كبير من القطاع الفقير أصلا.
وقُتل أكثر من 48 ألف شخص في غزة خلال الحرب، وفقا للسلطات الصحية التابعة لحماس وتم تهجير أكثر من 90 في المئة من سكان القطاع مرة واحدة على الأقل، وفقا للأمم المتحدة. ورغم توقف العنف والأعمال القتالية إلى حد كبير، إلا أن تداعياته تركت السكان منهكين ومصدومين.
“المنطقة غير صالحة للسكن وخطيرة جدا”
بدوره قال محمود السرحي (44 عاما) من سكان حي الزيتون “إنها المرة الأولى التي أرى منزلنا المدمر. الوصول إلى محور نتساريم كان يعني الموت حتى صباح اليوم”.
ورغم الانسحاب الإسرائيلي، أكد السرحي أنه ما زال يشعر بعدم الأمان. وأضاف بالقول: “كل المنطقة صارت خرابا، لا أستطيع أن أسكن هنا، الدبابات الإسرائيلية يمكن أن تتوغل في أي وقت، المنطقة غير صالحة للسكن وخطيرة جدا”.
وكان حجم الدمار واضحا في شارع الشهداء الذي يمر أيضا عبر محور نتساريم حيث تحولت عشرات المنازل وبعض المباني الجامعية إلى أنقاض. وفي بعض الأماكن، تعرضت الطريق نفسها لأضرار أثناء القتال، مع ظهور حفر كبيرة. وبدأ العمال بإصلاح جزء منها.
أما محمد علي (20 عاما) الذي حضر من مخيم النصيرات للاجئين بوسط قطاع غزة، فقال إن سلوك الطرق “صعب بسبب حجم الدمار والقصف”. وأضاف بتفاؤل: “إن شاء الله، الطريق ستكون أفضل مجددا”.
“الهدنة مفتاح الاستقرار”
من جانب آخر قال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر الأحد، إنه تم تجنب المجاعة في غزة إلى حد كبير مع تدفق المساعدات إلى القطاع خلال الهدنة الهشة. لكنه حذر في الوقت ذاته من أن الخطر قد يعود سريعا إذا انهارت الهدنة.
وتحدث فليتشر بعد زيارة استمرت يومين إلى غزة، حيث دخلت مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية يوميا منذ بدء الهدنة في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وذكر فليتشر في القاهرة: “أعتقد أن خطر المجاعة تم تفاديه إلى حد كبير. مستويات الجوع الحاد انخفضت عما كانت عليه قبل الهدنة”.
وجاءت تصريحاته وسط تزايد المخاوف بشأن إمكانية تمديد الهدنة، حيث يفترض أن تبدأ محادثات حول مرحلتها الثانية الأكثر تعقيدا. وتجدر الإشارة إلى أن المرحلة الأولى، التي تمتد لستة أسابيع، قد وصلت إلى منتصفها.
وبموجب الاتفاق، قالت إسرائيل إنها ستسمح بدخول 600 شاحنة مساعدات يوميا إلى غزة، وهو ما يمثل زيادة كبيرة بعد شهور من شكاوى مسؤولي الإغاثة من التأخير وانعدام الأمن، مما عرقل إدخال وتوزيع الغذاء والأدوية والمواد الأساسية الأخرى.
وقال مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة إن أكثر من 12 ألف و600 شاحنة مساعدات دخلت غزة منذ بدء سريان الهدنة. وحث فليتشر كلا من حركة حماس، التي أعادت فرض سيطرتها على القطاع سريعا بعد بدء الهدنة، وإسرائيل على الالتزام بالاتفاق الذي “أنقذ العديد من الأرواح”.
وأوضح المسؤول الأممي بالقول: “الأوضاع لا تزال مروعة، ولا يزال الأشخاص يعانون الجوع. إذا انهارت الهدنة، فستعود بسرعة تلك الظروف المشابهة للمجاعة مرة أخرى”.