بينما يحث الفقهاء، كل عام، المسلمين على الإكثار من الصدقات والعبادات والرحمة بالناس، يستغل تنظيم الدولة شهر رمضان لتنفيذ عمليات إرهابية أكثر وتجنيد أعداد جديدة من العناصر الإرهابية وارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين العزل.

لإضفاء القداسة على خليفته المزعوم وعلى صدق خطاب التنظيم السياسي والديني، أختار داعش اليوم الأول من شهر رمضان من عام 1435 الهجري والذي وافق يوم 29 حزيران / يونيو 2014 لإعلان “دولة الخلافة” المزيفة من أحد مساجد الموصل في العراق. التناقض واضح بين الفقه وأفعال داعش. ركز الفقهاء عبر التاريخ الإسلامي على نشر المحبة والرحمة والتسامح خلال شهر رمضان والإكثار من العبادات والتراحم بين الناس. أعتبر داعش أن هذا الشهر هو فرصة لزيادة العمليات الإرهابية التي أسفرت عن قتلى وجرحى من المدنيين العزل في مدن وبلدات أغلبها من المسلمين.
إرهاب في شهر التقوى
إضافة لأحكام الصيام المعروفة في شهر رمضان وصلاة التراويح وإطعام المساكين والأيتام والفقراء، ركز الفقه الإسلامي، عبر العصور الإسلامية المختلفة، على إشاعة روح المحبة والتسامح بين الناس. هل أتبع عناصر التنظيم المزيف ما سبق من أحكام؟ لا طبعا. روّج التنظيم لفكرة أن هذا الشهر هو “شهر الفتوحات” أي شهر زيادة العمليات الإرهابية التي لم تكن سوى جرائم مروعة باسم عقيدة بعيدة عن الإسلام. كما معروف عند عامة المسلمين أن صوم شهر رمضان وسيلة للتقوى والقرب من رب العالمين وأن الجوع الناتج عن الصوم هو سبب قوي للرحمة والعطف على الفقراء والمساكين وأن الناس تشعر كأنها أمة واحدة ، حيث يجتمع الغني والفقير على مائدة الإفطار لكن أفعال داعش كانت على النقيض من كل ما سبق. بث التنظيم الإرهابي أول رسائله الصوتية في شهر رمضان وكان المحتوى دعوات متواصلة إلى قتل العزل وإرهابهم باسم جهاد لم يعرفه المسلمون من قبل. خير دليل على عدم احترام عناصر داعش لحرمة شهر رمضان واستغلالهم له في ارتكاب المزيد من الجرائم هو ما حدث في رمضان من عام 2015. في ذلك التاريخ، نفذ التنظيم هجمات إرهابية في الكويت وتونس وفرنسا تزامنت مع عملية إرهابية في سوريا وهذه العمليات لم تكن الأخيرة بل استمرت بالرغم من تناقص عددها بعد هزيمة التنظيم المنكرة في العراق وسوريا وتحوله إلى أسلوب “الذئاب المنفردة” في إرهاب المدنيين.

ردود فعل وعمليات استباقية
بصورة عامة، كانت ردود الفعل كثيرة تجاه العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم الدولة منذ ظهوره وحتى اليوم لكن ردود الفعل فيما يخص عمليات التنظيم خلال رمضان كانت مختلفة. فيما يخص إرهاب داعش في رمضان، زادت بيانات الشجب والإدانة من قبل رجال الدين في الجامع الأزهر ودار الإفتاء السعودية وأئمة المساجد وفقهاء مسلمين في أماكن أخرى لأن أفعال داعش تناقض تماما أحكام شهر التقوى والتسامح. خبراء الإرهاب والمسؤولون في التحالف الدولي والقوات الأمنية في العراق أو سوريا أو في مصر أو أفريقيا تنبأوا بزيادة العمليات الممكن تنفذيها من قبل داعش خلال هذا الشهر ووضعوا خططا لمواجهة الإرهاب وتنفيذ عمليات استباقية خلال رمضان. أخر العمليات الاستباقية التي تم تنفيذها لمكافحة إرهاب تنظيم الدولة خلال شهر رمضان كانت عملية ناجحة في رمضان الماضي (عام 2024) والتي نفذتها القوات العراقية في محافظة ديالى (شمال-شرق بغداد). حسب مصدر أمني عراقي، أن هدف هذه العملية الاستباقية هو منع هجمات يُعتقد أن عناصر “تنظيم الدولة” كانوا يخططون لتنفيذها في رمضان وأدت هذه العملية إلى مقتل عشرة إرهابيين. بالرغم من إعلان العراق انتصاره على “تنظيم الدولة” في أواخر 2017، لكن داعش ما زال يحتفظ ببعض الخلايا في مناطق نائية وبعيدة في شمال البلاد، تحاول، بين حين وآخر، شن هجمات على القوات الأمنية والمدنيين العزل.
