
يؤكد أغلب العائدين من مخيم الهول أن الحياة في المخيم لا تختلف عن قسوة الحياة في السجون سيئة الصيت. ويتذكر أغلبهم بألم ومرارة السنوات التي مرت عليهم بالمخيم ومنِعوا فيها من الخروج والعودة إلى بلادهم بعدما نزحوا من مناطقهم هربا وخوفا من التوترات الطائفية وبطش الإرهاب خلال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على العديد من المدن العراقية .

وتبذل الحكومة العراقية التي تعرف قسوة الحياة داخل تلك المخيمات مساع غير مسبوقة لإعادة الأسر العراقية من معسكرات اللجوء وخاصة الهول والروج في سوريا وإعادة تأهيلهم في مناطقهم الأصلية. وفي إطار تلك المساعي تقوم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية برئاسة إيفان فائق جابرو بعقد لقاءات دورية مع المسؤولين الدوليين والعراقيين لبحث سبل حل وتعجيل عودة النازحين العراقيين لبلادهم. وكان أخرها لقاء الوزيرة جابرو مع مجلس القضاء الأعلى العراقي برئاسة فائق زيدان في مارس الماضي لبحث التحديات القانونية والإدارية والأمنية التي تواجه عمليات العودة الطوعية للنازحين وغلق المخيمات. وقد ناقشت وزيرة الهجرة في هذا اللقاء مع فائق زيدان سبل دعم جهود وزارة الهجرة في إعادة النازحين العراقيين إلى مناطقهم الأصلية، فضلا عن مناقشة التحديات التي تواجه تحقيق ذلك الهدف. وأصدر الطرفان بيانا يؤكدا فيه على أهمية التنسيق بين الجهات المعنية لضمان توفير بيئة آمنة ومستقرة للعائدين.
عودة تطوعية بلا ضغوط
ولتحقيق هذا الهدف، تسعى الحكومة العراقية بشكل جاد وبالتنسيق مع المؤسسات الدولية والدول المجاورة لتوفير المناخ المناسب والعوامل المشجعة لعودة العراقيين الطوعية إلى بلادهم. ويأتي على رأس أولويات الحكومة العراقية في هذا المجال، تعزيز التواجد الأمني في المناطق التي شهدت نزوحاً كبيراً، من خلال دعم القوات الأمنية المحلية وخلق بيئة مستقرة وآمنة تسمح بعودة النازحين. إعادة إعمار المناطق المدمرة التي نزح منها السكان، وتوفير البنية التحتية الأساسية مثل السكن، والمدارس، والمستشفيات لتشجيع النازحين على العودة. كما تعمل الحكومة العراقية على تعزيز المصالحة الوطنية بين الطوائف والمكونات المختلفة في المجتمع العراقي لتوفير العودة الآمنة والنهائية لكل العراقيين بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو العرقية. وتعمل كذلك على تشجيع مساهمات المنظمات غير الحكومية، والمبادرات المحلية التي تلعب دورا حيويا في تقديم المساعدات للنازحين.
تسارع وتيرة العودة

وتشير أغلب التقارير إلى أن الجهود العراقية ساهمت في عودة ما يقارب 12500 عراقيا من مخيم الهول منذ عام 2021. وتؤكد التقارير على مغادرة أكثر من 1200 عراقيا لمخيم الهول منذ بداية 2025 العام الجاري. ويشير تسارع إعادة النازحين من مخيم الهول إلى العراق منذ بداية العام الجاري 2025 على جدية السلطات العراقية في مساعدة رعاياها الذين يترقبون عودة قريبة إلى ديارهم وأطواء صفحة المعاناة التي عاشوها خلال سنوات وجودهم بمخيم الهول.
وتؤكد الحكومة العراقية إنها تخطط لتسيير قافلتين شهريا من الآن فصاعدا، بهدف عودة جميع العراقيين بحلول عام 2027. وقد أكد المتحدث باسم وزارة الهجرة العراقية، علي عباس، في فبراير الماضي على عزم الحكومة العراقية مواصلة جهودها لإعادة كل الرعايا العراقيين من مخيم الهول. وأشار عباس أن العراق التزم منذ البداية بسحب رعاياه ووضع نهاية لمخيم الهول على رأس أولوياته. وأوضح عباس أن الحكومة العراقية نقلت ثلاث دفعات جديدة من المخيم، ليصل إجمالي العائلات التي تم نقلها منذ بدء العملية إلى أكثر من 3,200 عائلة، أي ما يعادل حوالي 12,500 شخصا. وقال أن أكثر من 9,000 شخصا من العائدين خضعوا لبرامج التأهيل النفسي والمجتمعي، في حين لا يزال هناك نحو 833 عائلة عراقية في المخيم، والعمل جارٍ على إعادتهم تدريجياً.
التأهيل وطريق العودة إلى العراق
يقضي العراقيون العائدون أيامهم في مخيم الأمل (الجدعة سابقاً) جنوبي مدينة الموصل، في أول محطات رحلة عودتهم إلى وطنهم بعد سنوات من المعاناة في مخيم الهول. وقد أكدت وزارة الهجرة العراقية نقل أكثر من ألفي أسرة إلى مخيم الأمل بالموصل. وأوضحت الوزارة أن العائدين يخضعون لمزيد من التدقيقات الأمنية، ويتلقون الاستشارات القانونية، ويوفَر لهم التواصل مع عائلاتهم و مجتمعاتهم، وهو أمر قد يمهد الطريق لعودة أفضل.
وصرح الوكيل الإداري للوزارة كريم النوري للصحف العراقية مؤخرا إنه قد “تم نقل 2833 أسرة من مخيم الهول في سوريا إلى مخيم الأمل في الموصل وتم ألحاقهم بمركز الأمل للتأهيل النفسي والاندماج المجتمعي”. وأضاف النوري أن المركز التابع لمخيم الأمل ينظم برامج التأهيل التي تعنى بالوضع العام للأسر النازحة خاصة العائدين من مخيم الهول بسبب وضعهم الخاص، مشيراً إلى أن أكثر من 18 منظمة دولية بالإضافة إلى مستشارية الأمن القومي والوزارات المعنية تعمل بشكل مستمر على إدارة المركز.

فرحة وترحيب بالعودة
ويشعر معظم العراقيين العائدين بالسعادة والرضا عن مساعي الحكومة العراقية في إعادتهم لبلادهم. تصف سعيدة حسين (54 عاماً) لاحد الصحف العراقية لحظة عبورها الحدود العراقية بلحظة ولادة جديدة قائلةً : “بمجرد أن عبرتُ الحدود العراقية واستنشقتُ الهواء، شعرتُ وكأن روحي عادت إليّ من جديد. ركعتُ وصليتُ”. وتقول رنا، إحدى العراقيات العائدات: “الحياة هناك، في مخيم الهول، صعبة، حارة ثم باردة”. وتستطرد، “كانت العائلات تعاني هناك، ومعظمهم يريد العودة إلى ديارهم”. وتضيف: “الأهم هو الأمان، وهنا نشعر بأمان أكبر، هناك في مخيم الهول، كان الناس دائماً خائفين ومرعوبين من الصراعات والغارات”. وفي شهادة أخرى، تصف امرأة عراقية (30 عاماً) الحياة في المخيم قائلة: “هنا نشعر بالأمان والراحة، ولكن هناك في مخيم الهول، كان كل شيء صعباً، شعرت وكأنني أُدفن حية”.