كانت الشهور الثلاثة الأخيرة بمثابة ملحمة عاصرها المهندس محمد على حيث كان يبحث عن أمان غير موجود في غزة، إذ اضطر وعائلته إلى الانتقال مرات عدة بعد ما دمر القصف الإسرائيلي منزله في مدينة غزة.
وفي رسالة عبر تطبيق “واتس آب”، قال محمد (35 عاما) “في بداية الأمر، لجأنا إلى مستشفى القدس القريب، وعندما أبلغنا (الجيش) بأنه يتعين علينا الإخلاء، توجهنا إلى مخيم النصيرات للاجئين (وسط القطاع). ونحن الآن في مدينة رفح”.
ومع استمرار القصف الإسرائيلي، لم يعد هاجس محمد الوحيد يتمثل فقط في مصير عائلته وكيف يمكن العيش في أمان، بل بات يشعر بالقلق حيال المستقبل الذي سيصير إليه قطاع غزة وسط تشكيك بعض السياسيين وكبار الوزراء بحكومة بنيامين نتانياهو في السماح لسكان غزة بالعودة إلى ديارهم.
وفي ذلك، قال محمد “نأمل ألا يقع تهجير قسري دائم، وأن تنتهي الحرب لنعود لديارنا. يكفي ما حدث فكل شيء يجب أن ينتهي”.
ولم يقرر مجلس الحرب الإسرائيلي أو مجلس الوزراء الأمني المصغر حتى الآن أي خطة رسمية بشأن غزة ما بعد الحرب، فيما تتصدر قضية “القضاء على حماس” الأولوية في الخطاب السياسي والعام في إسرائيل.
وأعلنت إسرائيل الحرب على حماس بعد هجوم الحركة الإرهابي في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والذي أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص واحتجاز أكثر من 200 رهينة. ويشار إلى أن حركة حماس جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنف في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية. كما حظرت الحكومة الألمانية جميع أنشطة الحركة في ألمانيا.
ولا يخفي الساسة الإسرائيليون ممن ينتمون إلى طيف اليمين المتطرف مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير تصورهم لمستقبل قطاع غزة بدون معظم سكانه، إذ يريدون إنشاء مستوطنات جديدة في أجزاء من القطاع.
وفي حديث إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي، قال سموتريتش “إن ما يجب القيام به في غزة هو تشجيع الهجرة. لو كان هناك 100 ألف أو 200 ألف عربي في غزة وليس مليوني عربي، لكان كل الحديث عن اليوم التالي مختلفا”.
من جانبه، دعا بن غفير إلى “هجرة طوعية” يقدم عليها مئات الآلاف من سكان غزة، فيما ألمحت أصوات أخرى في مجلس الوزراء إلى أفكار مماثلة.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن هناك مفاوضات مع دول ثالثة قد تكون مستعدة لاستقبال الفلسطينيين، بما في ذلك جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا وتشاد. ونفت الدول الأفريقية الثلاث صحة هذه التقارير. فيما قال باتريك مويايا، المتحدث باسم حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، في تغريدة على منصة أكس “لم يكن هناك أي شكل من أشكال التفاوض أو النقاش أو بادرة بين كينشاسا وإسرائيل بشأن استقبال مهاجرين فلسطينيين على أراضي الكونغو”.
تزايد التحريض ضد الفلسطينيين
رفض وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت أي خطط للاستيطان في القطاع، قائلا: “لن يكون هناك وجود مدني إسرائيلي في قطاع غزة بعد تحقيق أهداف الحرب”. وكان رفض غالانت في معرض الحديث عن خطته لما بعد انتهاء الحرب قبل أن يقدمها إلى المجلس الوزاري الأمني المصغر برئاسة نتنياهو. فيما أشار الوزير إلى أن الخطة تقضي بأن كيانات فلسطينية ستتولى (الإدارة) في القطاع في حين ستحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية. وانسحبت إسرائيل من قطاع غزة عام 2005، لكنها تسيطر على الحدود البرية والبحرية والمجال الجوي منذ استيلاء حماس على السلطة في القطاع عام 2007.
وقبل بدء محكمة العدل الدولية جلساتها الأولى في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل مدعية بمزاعم ارتكاب إبادة جماعية في غزة، قال نتانياهو إن “إسرائيل ليس لديها نية لاحتلال غزة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين”.
ويرى مراقبون إسرائيليون أن بقاء وزراء سياسيين قوميين متطرفين في الحكومة يعد عنصرا هاما للحفاظ على الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو، لكن تأثير هذه الأصوات على القرارات الاستراتيجية يعتبر أمرا مشكوكا فيه.
وقال أودي سومر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة تل أبيب والزميل في كلية “جون جاي للعدالة الجنائية” في نيويورك، إنه من المرجح أن إسرائيل “تعتمد على الولايات المتحدة في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى. وهذا ينطبق على الدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن الدولي والأمن القومي الإسرائيلي”. وأضاف “أنه في ضوء ذلك، إذا رغبت في الحصول على تصور جيد ومعقول للسيناريو الواقعي لما بعد الحرب، فأنا أنصت لما يقوله وزير الخارجية الأمريكي أكثر بكثير من التصريحات المتهورة التي تدلي بها العناصر المتطرفة في حكومة نتنياهو”.
وتزامن هذا مع استياء سياسيين وباحثين في إسرائيل وانتقاداتهم للتصريحات المحرضة التي تصدر عن بعض الشخصيات العامة والصحافيين وأيضا أعضاء الكنيست ضد سكان غزة. كما نتقدت الولايات المتحدة ودول أخرى، من بينها ألمانيا، مثل هذه التصريحات باعتبارها “غير مسؤولة وتحريضية” فيما لم تتضمنها الدعوى التي أقامتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.