• الأربعاء. ديسمبر 4th, 2024

منذ ظهوره وحتى هزيمته في العراق وسوريا في عام 2019 وتحوله لاحقا إلى أفريقيا، مارس داعش النفاق على أكثر من مستوى ولم يتأخر في اعتبار هذا النفاق جزءاً من أساليب “الجهاد” التي مارسها قادة التنظيم من الصف الأول وصولا إلى أمراء الخلايا الصغيرة. المصادر الدينية الإسلامية عرفت النفاق بأنه “إخفاء الكفر في الباطن والتظاهر بالإيمان” وفي تاريخ المسلمين شواهد كثيرة على المنافقين وكفرهم المخفي وإيمانهم المزيف. التناقض بين الأفعال والأقوال هو تجسيد حقيقي للنفاق وأقوال داعش وخطابه الإعلامي المعلن عن تطبيق الشريعة واتباع القرآن الكريم والسنة وعن “خلافة على منهاج النبوة” بينما الأفعال بعيدة كل البعد عن مبادئ الإسلام والشريعة.

في عام 2014، نصّب أبو بكر البغدادي نفسه “خليفة” ودعا المسلمين لمبايعته والهجرة إلى دولة الخلافة المزيفة (المحصورة بين العراق وسوريا) حيث كان عناصره يرتكبون الفظائع تزامنا مع الخطاب الذي كان يبثه إعلام داعش عن “خلافة على منهاج النبوة” . كيف يكون النفاق؟ أدعى الدواعش تطبيق الشريعة وهم من ارتكب مجزرة الشعيطات ومجزرة البو نمر ومجزرة سبايكر ومن قتل المسيحيين وصادر ممتلكاتهم ومن قتل الرجال الأيزيديين وأخذ النساء الأزيديات سبايا ومن عرض أكثر من 7 آلاف امرأة في أسواق الرق الجنسي. نعم، لقد تظاهروا بالإيمان والجرائم الفظيعة عكست كفرهم الحقيقي الذي حاولوا إخفاءه وفشلوا.

بالرغم من تشجيع الفقه الإسلامي على طلب العلم التزاما بالحديث النبوي الشريف”اطلبوا العلم ولو كان في الصين”، ارتكب عناصر التنظيم جرائم فظيعة بحق العلم والطلبة والمعلمين والمؤسسات التعليمية في البلدات والمدن التي وقعت تحت سيطرتهم. هذا دليل واضح آخر على نفاقهم وكفرهم الذي سكن أنفسهم والذي عكس زيف ادعاءاتهم بالتقوى والتمسك بشريعة الإسلام. بعد دخول داعش إلى الموصل، في عام 2014، رفع عناصر التنظيم معاول الهدم وخربوا في جامعة الموصل وحدها المختبرات والمركز الجامعي الثقافي والمتاحف الجامعية واحرقوا كتب المكتبة الجامعية إضافة إلى إعدام 15 طالبا وأكثر من أستاذ جامعي. لم يتأخر عناصر التنظيم في تهديم المدارس أو تحويلها إلى سجون أو ثكنات في مدن وقرى شمال-غرب العراق وشمال-شرق سوريا وحولوا بعض المدارس إلى ساحات للجلد والإعدام الكيفي للمدنيين العزل بدون محاكمات عادلة كما حددت الشريعة وكما هو معروف في الفقه الإسلامي.

الزكاة في المعاجم العربية تعني البركة والنماء وأحكامها معروفة في الفقه الإسلامي فهي الركن الثالث من أركان الإسلام، بعد الشهادتين، وأداء الصلاة كما ورد في القرآن الكريم:(( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ.)) (المؤمنون:1-4). وهنالك أكثر من حديث نبوي عن أهمية الزكاة ودورها في حياة المسلمين ومن أشهر هذه الأحاديث هو:”حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة.” في نهاية 2014، أسس تنظيم داعش “ديوان الزكاة” وهو جهاز مخول بجمع الأموال من المدنيين العزل في المناطق التي كانت تحت سيطرته ولم يتبع هذا الجهاز الأحكام الفقهية المعروفة لدى المسلمين فيما يخص أمر الزكاة. قام ديوان الزكاة في مطلع 2015 بإبلاغ صاغة الذهب في مدينة الميادين بريف دير الزور، بإحصاء وتحديد كمية الذهب والأموال الموجودة لديهم، كي يتم الكشف عنها وأخذ مقدار “الزكاة” المستحقة منهم. وتكرر الأمر في مدن وبلدات أخرى في العراق وسوريا ولم يتبع هذا الديوان المزعوم أي حكم فقهي من أحكام الزكاة في الشريعة. ذريعة الزكاة في عهد داعش تحولت إلى جباية أموال بالإكراه من المدنيين سواءً كانوا قادرين على دفع المال أم لا وسواءً انطبقت عليهم أحكام الزكاة في الشريعة أم لا وهذا يعني أن عناصر داعش تحولوا، حرفيا، إلى جامعي إتاوات من الناس تحت ما سمي خطأً “زكاة” وهذا نفاق ما بعده نفاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *