حسب المعاجم العربية، النفاق هو إظهار المرء خلاف ما يبطن وهذا التعريف ينطبق على داعش بدءاً من زعماء الصف الأول ووصولا إلى أمراء المجموعات الصغيرة. من أوائل الذين اتهموا داعش بالنفاق هو الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، مفتي السعودية العام، والذي قالها صراحة في عام 2015 بأن داعش أقام “دولة ضالة” ليست إسلامية وعناصره من المنافقين وهم أسوأ من الكفار. أضاف الشيخ أن الكفار واضحٌ أمرهم جلي حالهم ولا إشكال فيه، لكن المنافق المدعي للإسلام والمنتسب إليه زورًا وبهتانًا هؤلاء هم أضر على الناس من الكافر الواضح الكفر.
حسب المذاهب الإسلامية المعروفة، الجزيةُ ضريبة مالية من أموال غير المسلمين الذين يعيشون تحت حماية دولة مسلمة وذلك ليساهموا في ميزانية الدولة التي تحميهم وأموالهم وأعراضهم وهي أقل ما يُجبى من المسلم وتنفق الضريبة المالية على المصالح العامة وعلى فقراء المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. على العكس من أحكام الجزية المحددة في الفقه الإسلامي، أتبع الدواعش نفاقا غير مسبوق في سرقة أموال غير المسلمين وممتلكاتهم تحت ما يسمى “جزية” وهي، حرفيا، سرقة علنية لممتلكات ناس سيئي الحظ وجدوا أنفسهم يوما يعيشون مُكرهين تحت سلطة وحوش بشرية ديدنها الإجرام وتدّعي كذبا إنها تتبع نهج “خلافة على منهاج النبوة”.
حسب تقرير نشرته جريدة التايمز البريطانية في عام 2014 بعنوان: داعش يخيّر المسيحيين في سوريا بين دفع الجزية ذهبا أو القتل، نشرت كاثرين فيليب، محررة الشرق الأوسط في الجريدة :” الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) تطالب المسيحين في سوريا بدفع الضرائب ذهبا والحد من إظهار ممارساتهم الدينية، وتحذرهم أنهم إذا لم يلتزموا بذلك فسيواجهون السيف”. أضافت الجريدة أن أحد قادة داعش في الرقة (شمال-شرق سوريا) أمر المسيحيين فيها بأن يدفعوا جزية من الذهب إذا أرادوا أن يستمروا في العيش تحت “حماية” التنظيم. نقلت الصحيفة عن أبو بكر البغدادي:” إن المسيحيين الأثرياء سيدفعون الجزية مرتين سنويا ومقدارها نصف أوقية من الذهب كل مرة، وعلى متوسطي الحال نصف ذلك، على الفقراء الربع”. حسب الصحيفة ذاتها:” إن زعيم داعش أمر المسيحيين في الرقة بعدم تجديد الكنائس والأديرة في الرقة أو إظهار الصلبان في الأماكن العامة. كما أمرهم بعدم استخدام مكبرات الصوت في الصلوات، أو عدم قراءة الإنجيل داخل الكنيسة بصوت يمكن للمسلمين خارج المبنى سماعه”. كل مطّلع على الفقه الإسلامي سيجد أن ما سبق هو مخالف لأحكام الجزية الموضحة في الفقه الإسلامي (مدارس الفقه الأربعة) وأن التعليمات التي صدرت من داعش للمسيحيين في الرقة وباقي المدن والبلدات هي مخالفات واضحة لأحكام التسامح مع المسيحيين أو كما تم تسميتهم في الفقه بـ”أهل الذمة” والتي ضمنت لهم العيش الكريم والحماية الكاملة كما هو معروف تاريخيا منذ نشأة الدول الإسلامية.
بعد احتلالهم محافظة نينوى(شمال العراق)، وضع عناصر داعش حرف الـ “نون” على بيوت المسيحيين بهدف تمييزهم عن باقي السكان. الخطوة التالية التي نفذها الدواعش هي خيار “فرض الجزية” مع خيارات أخرى كفرض التحول إلى الإسلام، أو الخروج من البيوت والمدن وفي حالة الرفض سيكون الموت برصاصة من عناصر التنظيم هو الخيار الأخير. هرب معظم المسيحيين من بيوتهم في الموصل وباقي البلدات والمدن الأخرى وبعدها بدأ عناصر داعش في سرقة محلاتهم وبيوتهم مدعين أنها “أموال الجزية”. حسب اعترافات مسيحيين هربوا من تلك المناطق، صادر عناصر داعش مجوهرات النساء المسيحيات في نقاط التفتيش إضافة إلى ممتلكات العوائل المسيحية التي كانت تبحث عن ملاذ آمن في أماكن أخرى بعيدة عن سيطرة داعش. في الأشهر الأولى لاحتلال التنظيم للموصل ووضعه لحرف النون المشؤوم على بيوتهم، عرض داعش في المزاد العلني في عام 2016 بيوت المسيحيين وسياراتهم وممتلكاتهم الأخرى وهذا بعيد كل البعد عن الجزية وأحكامها. ما فعله الدواعش في الموصل والمناطق المسيحية في سهل نينوى خير دليل على نفاقهم الواضح الذي أكدته أفعالهم. أدعى الدواعش تطبيق الجزية لكنهم لم يطبقوا سوى خططهم الإجرامية التي هدفت إلى سرقة ونهب ممتلكات مدنيين عُزّل شاءت الصدفة أن يكونوا من دين مختلف وأن يعيشوا في مناطق وقعت تحت احتلال تنظيم إجرامي أدعى كذبا تطبيق الشريعة وحاول قمع الناس عبر دولة “الخلافة” المزيفة.