في خطوة تعبر عن طموحها للانضمام إلى الرواد في قطاع التكنولوجيا، أعلنت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم في فبراير/شباط الماضي عن إطلاق “مركز كوتساري” الوطني لتصميم الرقائق الإلكترونية. وصفت المشروع بأنه “بالغ الأهمية” لخفض فاتورة استيراد الرقائق البالغة 24 مليار دولار سنوياً، والتي تُستخدم في صناعات الإلكترونيات والسيارات. المكسيك، التي كانت تقليدياً مركزاً لتجميع الرقائق، تطمح لتصبح مصممة ومنتجة لها، في مسار مشابه لما تتبعه ماليزيا والهند، وسط سباق عالمي محموم يغذيه التنافس التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين، وتزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.

ورغم أن هذه الدول لا تهدف إلى إنتاج الرقائق الأكثر تقدماً التي تصنعها شركات عملاقة مثل “TSMC” و”إنفيديا”، فإن خططها تركز على تصنيع رقائق تقليدية أقل تكلفة وأوسع انتشاراً، بهدف استراتيجي يتمثل في تقليص الاعتماد على الواردات وتطوير قدرات محلية.ماليزيا وطموحات بمليارات الدولارات
تُعد ماليزيا سابع أكبر مصدر للرقائق عالمياً، وتشتهر بعمليات التجميع والتغليف والاختبار. لكن استراتيجيتها الوطنية، التي أُطلقت العام الماضي، تهدف إلى جذب استثمارات بقيمة 116.8 مليار دولار بحلول 2030، وإنشاء شركات محلية قادرة على منافسة العمالقة مثل “TSMC” التايوانية.
ولتسريع هذه الخطط، وقّعت ماليزيا اتفاقية مع “ARM” البريطانية للحصول على تصاميم الرقائق، بهدف تأسيس 10 شركات محلية تحقق إيرادات سنوية تصل إلى ملياري دولار، وتدريب 10 آلاف مهندس، رغم التحديات المرتبطة بنقص الكفاءات وهجرة العقول.المكسيك في بداية المشوار
تمتلك المكسيك مراكز أبحاث وخطوط تصنيع محدودة، لكنها تفتقر إلى مصانع متطورة أو مرافق متكاملة لاختبار وتجميع الرقائق. تسعى الحكومة لإنتاج رقائق محلية بحلول 2030، لكن الخبراء يحذرون من أن ذلك يتطلب استثمارات هائلة تصل إلى 10 مليارات دولار للمصنع الواحد، إلى جانب تطوير التعليم التقني وزيادة عدد مهندسي التصميم، الذين لا يتجاوز عددهم سنوياً أقل من عشرة خريجين.الهند.. تحديات وطموح كبير
أطلقت الهند “مهمة أشباه الموصلات” في 2021 برأسمال حكومي قدره 10 مليارات دولار، وأعلنت عن مشاريع ضخمة مع شركات عالمية، لكنها واجهت عقبات مثل انهيار شراكات وتأخيرات، أبرزها فشل مشروع بقيمة 19.5 مليار دولار بين “فوكسكون” و”فيدانتا”. حالياً، يُعد مصنع “تاتا إلكترونيكس”، بالتعاون مع شركة تايوانية، أكبر المشاريع، بطاقة إنتاجية 50 ألف رقاقة شهرياً.نقص الكفاءات
من المكسيك إلى ماليزيا والهند، يواجه الطموح تحدياً مشتركاً: نقص المهندسين المتخصصين. ففي المكسيك، يتخرج 5 مصممي رقائق سنوياً فقط، بينما تحتاج ماليزيا إلى أضعاف ما تنتجه جامعاتها، والهند تبحث عن الكفاءات اللازمة لتشغيل مصانعها. في النهاية، يبقى حلم امتلاك سلسلة توريد مستقلة لأشباه الموصلات هدفاً بعيد المنال، لكن دخول هذه الدول السباق يعكس إدراكاً متزايداً بأن السيطرة على الرقائق هي مفتاح التحكم بمستقبل التكنولوجيا.