• الخميس. نوفمبر 21st, 2024

ارتبطت المعرفة الإنسانية بالكتب والمكتبات منذ القدم وكان للمكتبات عبر التاريخ الإسلامي دور عظيم في نشر كل أنواع المعرفة بين الناس ومنها علوم الفقه والحديث التي شجعت المسلمين على تدوين المعارف ونشرها في كتب وصلت إلى عصرنا الحاضر. بعض المدن العربية وجامعاتها على حد سواء صارت تفتخر بمكتباتها التي صارت وجهة للقراء والباحثين وهذه المكتبات تحولت بمرور الزمن إلى معالم رئيسية في تلك المدن وزيارتها صارت من أولويات الزوار.

في كل مدينة وصلها داعش في شمال-غرب العراق وشمال-شرق سوريا، كانت المكتبات من أهدافه الأولى فقد صادر عناصره أرقاماً كبيرة من كتب المكتبات العامة والخاصة وأحرقوها لاحقا في الساحات العمومية. مارس عناصر التنظيم جرائمهم بحق المعرفة والكتب والمكتبات في الموصل وخير مثال مكتبة الجامعة المركزية التي كانت قبل داعش تحتوي على أكثر من مليون كتاب ومخطوطة قسم منها يعود لبدايات تأسيس الدولة العراقية أو حتى قبل هذا التاريخ. خرب عناصر داعش وأحرقوا محتويات مكتبة الأوقاف المركزية في المدينة التي كانت تحتوي على كتب ومخطوطات ذات قيمة تراثية وتاريخية قسم منها يعود لأربعة قرون وقسم منها يعد جزءاً مهما من إرشيف المدينة التي تفخر بوصول المطبعة الحديثة إليها قبل باقي مدن العراق.

تعرضت أيضا مكتبة الموصل العامة إلى تخريب الدواعش ومصادرة محتوياتها وحرقها في الساحات العمومية وهذه المكتبة من أقدم مكتبات المدينة وعمرها تجاوز المائة عام وتحتوي على آلاف الكتب والمخطوطات وفيها وثائق مهمة تشكل جزءا مهما من أرشيف المدينة الغني بثرائه المعروف. ولم تسلم مكتبات المدارس في الموصل وضواحيها ولا مكتبات مدارس محافظة صلاح الدين أو المكتبات الجامعية الأخرى في المحافظة من محارق الكتب التي أعدها عناصر داعش خلال فترة حكمهم المظلمة.

تعرضت المكتبات في مدينة الرقة إلى مصادرة وحرق محتوياتها في الأماكن العامة ومنها مكتبة المركز الثقافي التي حملت رفوفها أكثر من 60 ألف كتاب والذي ميزها، عبر 60 عاما من وجودها، عن باقي مكتبات المراكز الثقافية في سوريا. هذه المكتبة صارت شاهدا على معاول الهدم التي استخدمها التنظيم الإرهابي بهدف تدمير وسائل التنوير كالكتب والمكتبات وإشاعة الفكر الظلامي المتخلف. تعرضت مكتبة بورسعيد التي هي من أقدم مكتبات المدينة الأهلية محتوياتها للمصادرة والحرق في الساحات العامة وهذه المكتبة كانت، قبل فترة داعش المظلمة، ملتقى لكتاب وفناني ومثقفي المدينة ووجهة للزائرين من طبقة القراء والمثقفين وكل من حاول معرفة معالم الرقة المهمة.

لم تهدد المكتبات والكتب دولة ولا تنظيما ولا يخاف منها سوى من يملك كراهية عميقة للمعرفة وجهل واضح بالتنوير وأدواته. تؤكد كراهية داعش للمكتبات هذا الجهل وتثبت أيضا فكره الظلامي الذي يتعارض مع ادعاءاته بتطبيق الإسلام. متى كان الإسلام ضد المعرفة؟ وهنالك أكثر من أية تحث على القراءة كما ورد في القرآن الكريم في ” اقرا باسم ربك الذي خلق” (العلق:1) وورد أيضا في” اقرا وربك الاكرم” (العلق:3) وكما ورد في الحديث النبوي على “اطلبوا العلم ولو كان في الصين.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *