نقص الموارد المائية ومناسيب نهري دجلة والفرات دقق ناقوس الخطر منذ سنوات في العراق بعد مواسم جفاف متتالية تهدد الحياة في بلاد الرافدين. والحلول المطروحة قد تشكل أملا أخيرا للسكان مع تضاؤل المخزون المائي إلى أدنى مستوى.
يشكل الجفاف والتغيير البيئي تحدياً كبيراً في بلد مثل العراق يعتمد بشكل كبير على النفط ويجد صعوبةً في تنويع اقتصاده. وتمثّل الزراعة نسبة 20% من الوظائف وتعتبر ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5%، بعد النفط. ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، يعد العراق أحد أكثر خمس دول معرضة لخطر تغير المناخ في العالم. فهل تملك الحكومة العراقية أية حلول لمواجهة هذه المشكلة؟ خاصة بعد التصريحات التي أطلقها وزير الموارد المائية العراقية من أن العراق يمر بأصعب مرحلة من الجفاف للموسم الرابع على التوالي، بسبب قلة الإطلاقات المائية وتأثيرها في مناسيب نهري دجلة والفرات، وخزين البلاد الاستراتيجي.
لجفاف نتيجة الهدر
يرى الباحث والخبير العراقي في الشأن البيئي أحمد صالح نعمة في حديث مع DW عربية أن مشكلة الهدر في المياه من أكبر المشاكل التي يعاني منها العراق، فعدم اعتماد الزراعة على الأساليب الحديثة، ساهم لسنوات في استنفاذ الزراعة فقط لما نسبته 85 بالمئة من المياه الجارية، نظرا لاتباع المزارعين على آلية غمر المزروعات بالمياه بدلا من التنقيط والري الآلي، ما أدى إلى اعتماد أكبر على المخزون المائي في العراق من أجل حل مشكلة الجفاف وقلل من نسبة المخزون المائي العراقي إلى درجة كبيرة.
وبحسب الخبير نعمة فإن الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني جادة في حل هذا الملف، حيث قامت بعد اهمال طويل من قبل الحكومات السابقة إلى سن العديد من القوانين التي ستعمل على تقليل نسبة الفاقد في ري المزروعات والاعتماد على الأجهزة الحديثة في الري وضخ المياه، كما أنها سنت تخفيضات ضريبية من أجل تشجيع القطاع الخاص على تحديث القطاع الزراعي والبيئي.
بيد أن المشكلة في العراق، ما تزال أكبر من الإمكانيات التي بحوزة وزارات العراق المختلفة مثل الموارد المائية والبيئة وغيرها، ويستلزم تعاون دولي وجهود دبلوماسية من أجل محاربة الجفاف وضمان وجود تغيير ملموس مستقبلا.
ووفقًا للحكومة العراقية، لا تتلقى البلاد سوى عُشر التدفق الأصلي من إيران وثلثها فقط من تركيا. يمكن ملاحظة العواقب بوضوح على الطرف الجنوبي للعراق. في بلد شابته عقود من الحرب وسوء الإدارة، يقول العراقيون إن التغير المناخي عبارة عن موت بطيء. بيد أن الخبير العراقي نعمة أكد أنه لا توجد أية اتفاقات مع دول الجوار تحدد ماهية النسبة التي يجب على العراق تلقيها وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تغيير في كمية المياه التي تصب في الأراضي العراقية.
هجرة الأراضي الزراعية
وبسبب الجفاف، باتت “آلاف الدونمات الزراعية” مهجورة وتصنّف الأمم المتحدة العراق من بين الدول الخمس الأكثر تأثراً بالتغيّر المناخي، في حين يندّد العراق بالسدود التي تبنيها تركيا وإيران المجاورتان والتي تسبّبت بنقص ملحوظ بمنسوب الأنهار الوافدة إلى أراضيه.
ومع تراجع الأمطار، استفحل الجفاف بقوّة في السنوات الأربع الأخيرة، ما دفع السلطات إلى الحدّ بشكل كبير من مساحات الأراضي المزروعةبما يتناسب مع كميات المياه المتوفرة.
وبحسب وكالة رويترز حذّر تقرير أممي من خطر “الاضطرابات الاجتماعية” التي قد تنشأ عن العوامل المناخية ونبّه التقرير إلى أنه “في ظلّ غياب الخدمات العامة والفرص الاقتصادية الكافية… قد يؤدي التحضّر والانتقال إلى العيش في المدينة بفعل المناخ إلى تعزيز هياكل قائمة مسبقاً من التهميش والإقصاء”.
بالنسبة للأزمة المائية الحالية وانتشار الجفاف في المحافظات العراقية، يرى الخبير البيئي نعمة إنه لا توجد أية إمكانية لإيجاد تغيير فوري على المدى القصير يشعر به الناس سوى عبر طريقين، فإما سيضحي العراق بما تبقى من مخزونه المائي، القليل أصلا، وأما بالاتفاق مع تركيا من أجل السماح بالمزيد من المياه بالعبور صوب الأراضي العراقية. ويعتقد نعمة أنه من الممكن للحكومة بغداد اقناع الأتراك بإطلاق المزيد من المياه، حيث إنها قامت بالتفاوض مؤخرا مع الجانب الإيراني من أجل الموضوع ذاته. ويرى نعمة أن الإجراءات الجادة التي تقوم بها الحكومة الحالية قد تشكل رسالة طمأنينة إلى الدول المجاورة من أن إطلاق المزيد من المياه صوب الأراضي العراقية لن يلاقي الهدر كما بالسابق، بل سيشكل حلا لأزمة الجفاف المستمرة لسنوات. وشدد نعمة أن أزمة الجفاف لم تصب العراق لوحده فقط، بل أصابت جميع دول الجوار بما فيها تركيا وإيران، إلا أن الاستعدادات المائية والبنى التحتية الأفضل لدور الجوار ساعدتهم على تقليل آثار المشكلة بعكس العراق.
وبحسب تقرير البنك الدولي إن العراق يحتاج إلى 180 مليار دولار على مدى عشرين سنة لتحديث البنية التحتية بما فيها السدود ومشاريع الري اللازمة لضمان أمنه المائي، ما يعني أنه يحتاج سنويا إلى ضخ 9 مليارات دولار سنويا لهذا الغرض. غير أن ما تم تخصيصه للوزارة المعنية بهذا الأمر، ألا وهي وزارة الموارد المائية لم يتجاوز 15 مليون دولار في عام 2018. بيد أنه ومع إقرار الموازنة العامة 2023 يحدو المراقبين الأمل باهتمام حكومي أفضل لهذا الملف.
خطط طموحة لمحاربة الجفاف
وكانت وزارة الموارد المائية العراقية قد كشفت مؤخرا عن “وجود مؤشرات إيجابية وتفاهمات مع الجانب التركي لتفعيل بنود مذكرة التفاهم بين البلدين، أهمها الخطة التشغيلية الصيفية لسدوده وخزاناته، والتي على أساسها ستعد الخطة المائية للبلاد، حيث أكد وزير موارد المياه أنَّ العراق وخلال اتصاله بالجانب التركي لمس مؤشرات إيجابية بزيادة نسب الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات خلال الصيف الحالي” كما كشفت وزارة الموارد المائية، عن خطط استراتيجية لتعزيز المياه الجوفية واستثمار السدود في مجال الطاقة الكهربائية ومعالجة مياه المجاري في الأهوار. ويُعد السدان التركيان، أتاتورك على الفرات و إليسو على دجلة، إضافة إلى المشروع الإيراني الذي أدى إلى تحويل مجرى نهر كارون عن شط العرب من أخطر المشاريع المذكورة على الإطلاق. فهذه المشاريع تحرم العراق من القسم الأكبر من ثروته المائية عبر العصور، أي ما يزيد على 45 مليار مكعب من المياه سنويا. وكان العراق يتمتع بفوائض مالية قبل انجاز المشاريع المذكورة، غير أن إنجازها والبدء بملء السدين والسدود الأخرى أدى حتى الآن إلى تراجع الأراضي الزراعية والمحاصيل بنسب تتراوح بين 30 إلى 60 بالمائة، إضافة إلى تملح مياه شط العرب ونقص مياه الشرب والمخزون المائي الحيوي.
ويرى الخبير العراقي أحمد صالح نعمة أن الحل يكمن بسن حكومة العراق قوانين تنظيمية تفرض الترشيد في استهلاك المياه وتعمل على تنظيم توزيعها بالإضافة إلى ذلك يجب التوسع في تخزين مياه الأمطار، إذ أن الأمطار يتم تجميعها بالشمال فقط، في حين لا يتم تخزين مياه أمطار الشتاء في العديد من المناطق العراقية خاصة، المناطق الجنوبية من سامراء. فتجميع هذه المياه وإعادة توجيهها إلى الأنهر والمناطق المتضررة من الجفاف سيساهم في حل جزء من الأزمة. ويتابع الخبير بإنه من الضروري البدء بتحلية مياه البحر والاستفادة منه من أجل سد الحاجة المائية. كما يعود ويؤكد على ضرورة “الإدارة المائية الحكيمة واستخدام الطرق الحديثة كالاستمطار والتقنيات الحديثة في الري والإنتاج الزراعي.
وأخيرا يرى الخبيرالعراقي نعمة أن المجتمع المدني يلعب دورا أيضا في قضية توعية الناس بأهمية ترشيد المياه والاستهلاك الأفضل، بالإضافة إلى الرقابة على الأداء الحكومي من أجل ضمان عدالة مائية لجميع سكان العراق.
الكاتب: علاء جمعة