• الأحد. نوفمبر 24th, 2024

داعش والإعلام (الجزء الثالث)

وثقت هيومن رايتس ووتش انتهاكات داعش:” ارتكب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، المسلح والمتطرف، انتهاكات واسعة ومنتظمة في المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا، والعراق، وليبيا. كما أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجمات أوقعت قتلى في حوالي 20 دولة أخرى، منها إندونيسيا، وأفغانستان، وطاجكستان، وفرنسا، ومصر، والمملكة المتحدة.” امتلك داعش في الفترة منذ الإعلان عنه عام 2014 وحتى انحسار سيطرته على الأرض في سوريا والعراق، استراتيجية إعلامية متكاملة مكنته من تشكيل خطاب إعلامي حاول نشر فكره المتطرف وتجنيد المزيد من العناصر الإرهابية وزيادة عدد المتعاطفين مع خلافته المزيفة. قدم هذا الخطاب عمليات الذبح وحرق الضحايا وخطابات قيادات التنظيم وكأنها “انتصارات” كما قدم عمليات السبي واضطهاد غير المسلمين ومصادرة أملاكهم وكأنها تطبيق طبيعي للشريعة التي يجهل عناصر التنظيم أصولها وفروعها على حد سواء.

يعتبر داعش أكثر تنظيم إرهابي استغلالا لمنتديات الإنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي كـ منصة أكس”تويتر سابقاً” و”فيسبوك” ومنتديات الدردشة وتطبيقات أخرى متوفرة على الهواتف المحمولة التي لم تضع صعوبات للتواصل بين المستخدمين وعناصر التنظيم والمتعاطفين معه وظفوا هذه المواصفات إلى أعلى حد ممكن بغرض التواصل بينهم ونشر رسائلهم الإعلامية بين المتعاطفين معهم. لمواجهة نشاطات داعش، اتخذت مواقع التواصل الاجتماعي عدة إجراءات ووضعت قواعد جديدة للمستخدمين وهذا ساهم إلى حد ما في الكشف عن حسابات الدواعش وغلقها لاحقا. في عام 2014 ، اتخذت إدارة تويتر إجراءات صارمة للحد من استخدام داعش لتويتر وهذا أدى إلى اغلاق حسابات التنظيم الرسمية كمحاولة للحد من نفوذه وقدرته على نشر رسائله. من تلك الإجراءات التي اتبعها تويتر هو إجراء طبقه الموقع بصرامة وهو حظر نشر تهديدات مباشرة بالعنف ضد الآخرين وتم حظر أيضا الاستخدامات غير القانونية والأنشطة غير المشروعة. في الفترة ذاتها اتخذت مواقع ومنتديات أخرى على الأنترنيت إجراءات مشابهة لسياسة تويتر والهدف منها مكافحة الإرهاب السبراني ومنع استخدام هذه المواقع والمنتديات لتجنيد عناصر جدد أو لنشر فكر التنظيم الإرهابي. ورغم كل الإجراءات المشار إليها مسبقا، يستمر عناصر التنظيم في محاولاتهم في التحايل على عمليات إغلاق حساباتهم على هذه المواقع وغرف الدردشة.

أطلق مركز الحياة الإعلامي، ذراع داعش الإعلامي، اسم دابق على مجلة دورية تابعة للتنظيم وأصبحت لاحقا إحدى المنصات الإستراتيجية الإعلامية. صدرت هذه المجلة في 5 يوليو 2014 وفي 2015 صدرت كل شهرين وفصليًا في سنة 2016. ركزت المجلة على قضايا التوحيد والهجرة والجهاد والجماعة وكيفية تعزيز داعش لسلطتها، وتبرير أفعالها وتنظيم استراتيجيتها العسكرية وحربها ضد أعدائها واحتوت على خطب القادة ونشاطاتهم أيضا. هنالك أبعاد دينية وتاريخية خلف اختيار اسم المجلة ودابق هو اسم بلدة صغيرة في سوريا قرب الحدود التركية حيث وقعت معركة مرج دابق بين المماليك والعثمانيين في عام 1516 والتي أدت إلى احتلال الدولة العثمانية لمنطقة الشرق الأوسط كلها. هنالك دلالة دينية أخرى خلف اختيار الاسم لوجود معتقد سائد بحدوث معركة كبرى فاصلة في أخر الزمان في منطقة دابق بين المسلمين وأعدائهم وهكذا تصدرت أعداد المجلة مقولة أبو مصعب الزرقاوي، الأب الروحي لداعش: قد أضيئت الشارة هنا في العراق وسوف تستمر حرارتها في الاشتعال -بإذن الله- حتى تحرق جيوش الصليبيين في دابق. ولتحقيق أهدافها من الدعاية والتجنيد ولاستهداف أكبر عدد من القراء، أطلقت المجلة النسخة الإنجليزية حتى توقفت عن الصدور في 31 يوليو / تموز 2016 قبل فترة قصيرة من فقدان داعش لسيطرته على مدينة دابق. في 5 سبتمبر / أيلول 2016، أطلق التنظيم مجلة “روميه” وتعتبر دلالة على وضع التنظيم الجديد وضعفه وتضمنت هذه المجلة مواضيع تحرض على العنف المنفرد ويلاحظ التراجع الكبير عن فكرة الخلافة والدولة نتيجة الهزائم المتكررة لداعش وبداية سلسلة هزائمه في العراق والشام.

مما سبق نلاحظ أن داعش وظف الإعلام بأكثر من طريقة خلال فترة قوته وحتى خلال فترة هزائمه بهدف نشر فكره المتطرف وتجنيد المزيد من العناصر الإرهابية والحصول على أكبر عدد ممكن من المتعاطفين معه في مناطق مختلفة من العالم. التنسيق الذي حصل بين التحالف الدولي والقوات العراقية وقسد مع المشرفين على مواقع الدردشة وتطبيقات التلفون المحمول الذي أدى إلى نجاح الجهود الدولية في مراقبة وإغلاق الكثير من الحسابات الرسمية وغير الرسمية للتنظيم ومواجهة الإرهاب السيبراني الذي مارسه عناصر داعش إضافة إلى مواجهة فكره المتطرف الذي حاول فرض أجندة ظلامية على الناس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *