• الأربعاء. يناير 22nd, 2025

داعش والإعلام (الجزء الخامس)

في عام 2014، استولى تنظيم داعش على أجزاء كبيرة من شمال-غرب العراق وشمال-شرق سوريا ومارس الكثير من الجرائم التي يندى لها الجبين ضد المدنيين من المسلمين وغير المسلمين. لم تقتصر جرائم داعش على البشر بل شملت الآثار والبيئة والتهريب وتسببت في نزوح آلاف المدنيين من مدنهم وقراهم وتحويل المدارس إلى ثكنات عسكرية.

مارس التنظيم الإعدامات والجلد وعقوبات أخرى بحق المدنيين العزل في الساحات العامة أمام السكان المحليين. دفعت هذه الجرائم المجتمع الدولي إلى تشكيل تحالف أممي ضد التنظيم. بقيادة الولايات المتحدة، تَشكل التحالف الدولي ضد داعش في سبتمبر 2014 من 87 دولة والتزم بدحر التنظيم والحاق الهزيمة به على كافة الجبهات ووقف طموحاته بالتوسع ومواجهة دعايته ووسائله الإعلامية. التنسيق بين التحالف الدولي والقوات العراقية وقوات سوريا الديمقراطية قاد إلى تحقيق النصر في معركتي الموصل عام 2017 و الباغوز في 2019 و أدى في النهاية إلى هزيمة داعش في العراق وسوريا.

الهزيمة النهائية للتنظيم أثرت على إنتاجه الإعلامي بشكل كبير وأدت أيضا إلى ضعفه وتراجعه من حيث الشكل والمضمون مقارنة بالخطاب الإعلامي في مرحلة ما قبل 2019. بعد الهزيمة في العراق وسوريا، تحول داعش إلى اللامركزية في الإنتاج الإعلامي وقلّ الإنتاج والنشر بسبب توقف نشاط العديد من أذرعه الإعلامية السابقة وغابت المشاهد “الهوليودية” التي تميزت بها إصدارته في سنوات ما قبل 2019. تغير محتوى الخطاب الإعلامي في هذه المرحلة (ما بعد 2019) من بث مشاهد فيديو من ساحات المعارك إلى نشر دروس “تعليمية” حول تصنيع الأسلحة والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة. من أبرز مضامين خطاب داعش الإعلامي في المرحلة الجديدة: الخلافة الافتراضية، التحريض على العنف وهجمات “الذئاب المنفردة”، والتركيز على نشاط تنظيم داعش في “ولايتي” وسط وغرب أفريقيا.

داعش والاعلام

بعد هزائمه في العراق والشام، تحول داعش من فكرة “الخلافة” على أرض الواقع إلى فكرة “الخلافة الافتراضية” والحفاظ على وجود افتراضي عن طريق الاستفادة من التكنولوجيا ومنصات الإنترنيت. أصدر التنظيم مجلة “رومية” كبديل لمجلة دابق وغابت موضوعات سابقة كالبيعة والهجرة إلى “دار الإسلام” و”أرض الخلافة” وحلت محلها مواضيع تخص تنفيذ عمليات “جهادية” لعناصر التنظيم في أماكن تواجدهم حول العالم. التحريض على العنف وهجمات “الذئاب المنفردة” هي السمة الثانية لخطاب التنظيم في المرحلة التي أعقبت هزيمته في سوريا والعراق. غير التنظيم من طبيعة رسالته الإعلامية حين تحول من التوسع والسيطرة على الأراضي إلى دفع الأفراد وتوجيههم إلى تنفيذ هجمات على مستوى العالم كله. تحول الخطاب الإعلامي من موقع القوة والسلطة إلى التحريض ضد الحكومات و”الأعداء” والتشجيع على العمليات الانتحارية أو الهجمات المتفرقة في أكثر من موقع والتي عرفت لاحقا باسم هجمات “الذئاب المنفردة”. منذ عام 2019، ركز داعش عبر خطابه الإعلامي على نشاطاته في قارة أفريقيا، لاسيما وسط وغرب القارة. من الواضح أن أفريقيا احتلت حيزا كبيرا من خطاب التنظيم في هذه المرحلة الجديدة كما سوّق التنظيم كثيرا لانتصاراته في “ولاية” وسط أفريقيا و”ولاية” غرب أفريقيا ليضخم من صورة وجوده في تلك القارة.

الذي لا يمكن إغفاله في مرحلة ما بعد 2019، هو تحول التنظيم من مرحلة الهجوم إلى مرحلة الدفاع والتحول من خطاب القوة والسلطة إلى خطاب تحذيري عن التأخر عن الجهاد ووجوب استخدام العنف ولاشيء غيره. إضافة إلى ذلك، شجع التنظيم في خطابه على تنفيذ العمليات الانتحارية وقتل المدنيين العزل بلا تمييز ولا تبرير فقهي معلن في هذا الخطاب لقتل الأبرياء سوى إقامة الخلافة المزيفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *