في عام 2014، أرتكب عناصر داعش جرائم كثيرة بوحشية استثنائية في شمال-غرب العراق وشمال-شرق سوريا والتي أثارت الهلع بين المدنيين في تلك المناطق وجعلت العالم يتساءل عن علاقة “الدولة الإسلامية” المزعومة بالقاعدة التي عرفها العالم كله بعد جريمة 11 سبتمبر / أيلول 2001. في تلك الفترة بدأت المقارنات بين داعش والقاعدة تظهر للعيان وبدأ تسليط الضوء على أوجه الشبه والاختلاف بين التنظيمين. من المقالات التحليلية المهمة التي صارت مرجعا للباحثين والتي سلطت الضوء على التباين والتشابه بين التنظيمين هي مقالة الكاتب خالد زوبل بعنوان “داعش والقاعدة… أوجه الشبه والاختلاف” المنشورة في موقع مأرب برس المستقل في عام 2015. بدأ الكاتب مقالته بردة فعل المسلمين تجاه القاعدة وأفعالها حين وصف التنظيم بـ ” كان العالم الإسلامي وعلماؤه المعتبرون يصفون القاعدة بالخوارج وانحرافهم عن منهج النبوة وحكم الجهاد.”
بعد ذلك، ظهر جيل جديد من القاعدة يختلف عن كل الأجيال التي سبقته الذي سمى نفسه بـ ((الدولة الإسلامية في العراق والشام)) أو ما عرف لاحقا بـ (داعش) أو (تنظيم الدولة). كان هذا الجيل يحمل فكر القاعدة الأيديولوجي ذاته كإتباع مذهب الخوارج في تكفير الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله (أو ما يسمى بالطاغوت)، والتغيير المسلّح للأنظمة، وفرض الشريعة فرضاً، والقضاء على الطواغيت، والإيغال في قتل الأنفس البريئة التي حرمها الله.
تميز جيل القاعدة الجديد (داعش) بالتوحش والتعطش لقتل الأنفس المحرمة وتكفير “المختلف” عن فكره الإرهابي الذي تم وصفه بـ “المرتد” حتى لو كان مسلما ينتمي لأي فرقة إسلامية أخرى أو أي شخص لا يؤمن بمنهجه الجهادي المسلح. إضافة إلى ذلك، اعتبر داعش أن مناطق سيطرته هي “أرض الخلافة” المزعومة أي “دار الإسلام” والهجرة إليها واجبة على كل من يؤمن بهذا القول. على العكس من ذلك لم يوجب تنظيم القاعدة الهجرة إلى أراضيه لأنه ببساطة لم يملك أراض ذات حدود واضحة ولذلك لم يدع أتباعه إلى الهجرة إلى “أرض الإسلام” المزعومة. حسب فكر داعش، الهجرة إلى “دولة الخلافة” المزيفة واجبة على كل الأتباع الذين قدموا بيعة الولاء للبغدادي، الخليفة المزيف، باعتبار هذه الدولة هي “قاعدة لانطلاق الجهاد المقدس”. تطبيقا لهذه الفكرة، ألزم عناصر التنظيم المسلمين في المناطق التي خضعت لسيطرتهم بتقديم بيعة الولاء للخليفة المزيف ومن يخالف هذا الأمر سيعاقب بحكم الردة وهدر الدم وإباحة الممتلكات إن كان رجلا وإباحة العرض إن كانت امرأة.
الخلاف بين التنظيمين قد دفع القاعدة إلى إعلان البراءة من داعش فقد تبرأ أيمن الظواهري، زعيم القاعدة آنذاك، وتبرأت جبهة النصرة في سوريا حين رفض الجولاني، أمير الجبهة، مبايعة داعش كما تبرأ أبو محمد المقدسي، أحد قيادات التيار السلفي الجهادي، الذي اتهم داعش بتشويه الجهاد والمجاهدين والانحراف عن حكم الله. اختلف داعش عن القاعدة باستيلائه على أراض شاسعة وحصوله على تمويل ضخم عن طريق مصادر كثيرة كتهريب البترول والآثار وفرض الإتاوات و”الكلفة السلطانية” على التجار المحليين ومصادرة أموال وممتلكات المسلمين وغير المسلمين. تميز جيل القاعدة الأول (بن لادن الظواهري) بقتال “الصليبيين وأمريكا والغرب وأنظمة الطواغيت.” بينما تميز جيل القاعدة الثاني (أبو مصعب الزرقاوي) إضافة لميزة الجيل الأول بإشعال الحرب الطائفية في العراق واستهداف المصالح الأمريكية في عراق ما بعد 2003 واستهداف المواطنين العراقيين من كل الانتماءات الدينية والعرقية والطائفية الذين خالفوا الفكر المتطرف. بينما تجاوز داعش (جيل القاعدة الثالث) كل ما سبق وذهب بعيدا في عملية تكفير المخالفين وفي تطبيق العقوبات بوحشية غير مسبوقة وفي إدارة المدن والبلدات التي سيطر عليها وأسماها “دولة الخلافة” المزيفة.