اجتمع أكثر من ألف صحفية وصحفي من جميع أنحاء العالم في منتدى الإعلام العالمي الذي تنظمه مؤسسة DW سنويا. وناقش المنتدى المرحلة الانتقالية التي تمر بها الصحافة وسط تحديات هائلة تتنوع بين الذكاء الاصطناعي وتضييق الحكومات.
“حتى في الأوقات العصيبة يبقى التفاؤل الطريق الأمثل، فالمتشائمون لا يساهمون عادةً في الحلول”، هذا ما قاله المدير العام لمؤسسة DW الألمانية، بيتر ليمبورغ في افتتاح منتدى الإعلام العالمي الذي تنظمه مؤسسة دويتشه فيله سنويا.
وقد شارك هذا العام في المنتدى أكثر من ألف صحفية وصحفي من جميع أنحاء العالم قدموا إلى مدينة بون الألمانية.
إن الأوقات عصيبة بالفعل: فالحروب مستعرة في أوكرانيا والشرق الأوسط والسودان على سبيل المثال. ويبدو أن الأنظمة الاستبدادية آخذة في الصعود في جميع أنحاء العالم، في حين أن الديمقراطيات تتراجع.
ومع تراجع الديمقراطية، تتراجع حرية الصحافة وحرية التعبير أيضا.
صور إباحية بالذكاء الاصطناعي
“تقاسم الحلول”، هو شعار دورة هذا العام من المنتدى العالمي. ويتعلق الأمر هنا بأسئلة كثيرة مثل: كيف يمكن للصحفيين أن يحققوا مهمتهم على الرغم من المخاطر والضغوط المتزايدة؟
كيف يمكنهم الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الناس في مجتمعاتهم؟ كيف تؤثر التطورات التقنية على وسائل الإعلام واستهلاك وسائل الإعلام؟ في هذا السياق يقول المدير العام لـ DW بيتر ليمبورغ: “ليس العالم الرقمي فقط هو الذي يغير الصحافة، بل إن الذكاء الاصطناعي سيهزها أكثر”.
كبيرة هي المخاوف من احتمالية إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي، فعلى سبيل المثال الصور المزيفة والأصوات المقلدة التي تبدو حقيقية بشكل خادع.
ففي كلمتها الرئيسية تحدثت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عن التزييف العميق الذي صورها على أنها عاهرة، قائلة إن “الذكاء الاصطناعي يجعل التضليل أرخص وأسهل وأكثر فعالية”.
تجارب مماثلة مرت بها بها الصحفية الفلبينية والحائزة على جائزة نوبل للسلام ماريا ريسا، فبسبب موقعها الإخباري على الإنترنت “Rappler” باتت تواجه صعوبات كثيرة من المتنفذين في السلطة ببلدها. وهي تشعر بذلك من خلال انتشار صور فاحشة لها في شبكة الإنترنت.
وكان عليها أن تطلب الإذن بالسفر من الحكومة للمشاركة في المنتدى بمدينة بون الألمانية.
صوت الناس
من الأمور الأخرى التي يتم التركيز عليها في اليوم الأول من المنتدى هي إعداد التقارير عن الانتخابات في عام الانتخابات العالمية الكبرى 2024 والعلاقة بين الديمقراطية ووسائل الإعلام.
إذا ما استمعنا إلى المشاركين في المناقشات وورشات العمل المختلفة، تتكون لدينا صورة سلبية في الغالب. فمن ناحية تتيح وسائل التواصل الاجتماعي تجاوز وسائل الإعلام الموجهة من الحكومات أو تلك التي تسيطر عليها، وعلى وجه الخصوص الإذاعات الخاضعة للدولة.
وهكذا يمكن للكثير من الأشخاص الحصول على معلومات مستقلة والإدلاء بآرائهم أيضاً. لكن من ناحية أخرى، ينتشر انعدام الثقة بوسائل الإعلام والضجر من المعلومات المتدفقة من كل مكان.
كما أن إقبال الناخبين على المشاركة آخذ في الانخفاض في العديد من الدول. وهنا يجب على الإعلاميين إقامة اتصال مباشر بالأشخاص الذين يعانون تحت وطأة مشاكلهم اليومية؛ وهذه هي الرسالة المهمة في المناقشات في المنتدى العالمي.
في هذا السياق تقول إلين هاينريش، المديرة التنفيذية لمعهد بون الذي يعمل على تشجيع الصحافة البناءة، عن حقيقة أن الكثيرين سئموا من الأخبار السيئة: “الناس مرهقون”، ففي كثير من الأحيان تكون الصحافة مجرد ما يكرره السياسيون.
وتضيف بالقول: “نحن بحاجة إلى تنوع وجهات النظر. إن الصحافة البناءة لا تتجاهل المشاكل بأي حال من الأحوال، ولكنها تقدم الحلول أيضاً”.
بدوره يؤكد أنانت غويكا، مدير ناشر صحيفة “ذا إنديان أكسبريس” أن مدققي الحقائق يتم توظيفهم الآن في كل فريق تحرير تقريباً. لكن هذا ليس بالأمر الجديد. لقد كان التحقق من المعلومات دائماً أمراً طبيعياً لكل وسيلة إعلامية جادة وأساس مصداقية وسائل الإعلام، وهي العملة الأكثر أهمية في الصحافة.
أما أدريانو نوفونجا، رئيس مركز “من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان” في موزمبيق، فيرى أن التحول الديمقراطي في العديد من البلدان الأفريقية موجود، ولكن “الحكومات لا تستمع إلى الناس، ولا تمثل مصالحهم”.
ويضيف قائلا إنّ هذا من شأنه أن يعطيهم الانطباع بأن الديمقراطية ليس لديها ما تقدمه لهم، وإن وظيفة الصحافة هي إعطاء صوت لهؤلاء الناس.
“استمروا في العمل!”
وفي العودة إلى موضوع الذكاء الاصطناعي، ينصح مدير عام مؤسسة DW بيتر ليمبورغ باستخدام الذكاء الاصطناعي كأداة وليس كبديل للصحافة التي يصنعها الإنسان. ويقول في هذا السياق: “يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم الدعم، ولكن القرارات الصحفية المهمة يجب أن يتخذها البشر دائماً”.
وفي هذا الإطار تبدي ماريا ريسا، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، حماسة وهي تدعو إلى فرض رقابة دولية على الذكاء الاصطناعي والشركات الكبرى التي تقف وراءه. وتحذر من أنه لم يتبق الكثير من الوقت، مضيفة: “نافذة العمل بدأت تنغلق تدريجياً، لكنها لا تزال مفتوحة”.
وبذلك تتفق ريسا مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك التي تقول: “نؤيد تنظيماً دولياً لوسائل الذكاء الاصطناعي، وعلينا أن نصمم الذكاء الاصطناعي بالطريقة التي تجعل الناس يحتفظون بالسيطرة”.
وتضيف – متوجهة بالكلام إلى أولئك الذين ينتقدون تأخر مثل هذه القوانين – أن مثل هذه القوانين تحتاج إلى الأغلبية أولاً لسنها.
لكن الأمر في الواقع يتعلق بسؤال أكبر من الذكاء الاصطناعي والإعلام، كما تقول بيربوك: “كيف نجعل مجتمعاتنا أكثر مرونة؟” الصحافة المستقلة هي حجر الزاوية لكل نظام ديمقراطي. يتعلق الأمر بمحاسبة من هم في السلطة، وهذا ينطبق عليهم أيضاً.
في ضوء المشاكل العالمية الكبرى، يُطرح السؤال في مرحلة ما من المنتدى العالمي حول ما يمكن أن يفعله محترفو وسائل الإعلام فعلياً لمواجهة التطورات غير الديمقراطية.
وهنا تقول الصحفية المحاصرة في الفلبين ماريا ريسا وسط تصفيق مدو: “الأمر بسيط، استمروا في العمل!”.