• الجمعة. يوليو 26th, 2024

الشاي العراقي… تاريخ وطقوس وأشياء أخرى

أبريل 25, 2023 #العراق
الشاي العراقي

تاريخ النشر : 25 ابريل 2023

كلمات دالّة: أنواع الشاي العراقي, الشاي العراقي, الشاي العراقي الرائع, خلطة الشاي العراقي, تأريخ الشاي العراقي, طريقة عمل الشاي العراقي, أخبار العراق, فنون وثقافة

لم تكن في العراق سوى ثقافة شرب القهوة وحتى الأماكن التي يتم تقديم المشروبات فيها سميت بـ “المقهى” حتى عام 1870 حين زار بغداد أحد ملوك أيران وجلب معه الشاي والأبريق الذي يعد فيه والأكواب الزجاجية الصغيرة التي يقدم فيها وهذا هو التاريخ الرسمي لدخول هذا المشروب الساحر إلى البلد. في تاريخ مقارب، وفي مدينة السليمانية (شمال-شرق)، كان أحد تجار المدينة يستورد البضائع من إيران وأعجب بالشاي وبدأ في إدخاله إلى أسواق المدينة ومنها إلى المدن والقرى الكردية المجاورة. ومع هذا لم يتحول الشاي إلى مشروب شعبي وبقي مشروبا نخبويا حتى العقد الثاني من القرن العشرين. 

لم يستطع الشاي منافسة القهوة على المستوى الشعبي حتى الحرب العالمية الأولى بعد دخول القوات البريطانية التي جلبت معها آلاف من الجنود الهنود الذين جلبوا الشاي معهم إلى البلاد.  تغير وضع القهوة في البلاد بعد أن تعرف العراقيون على الشاي الذي صار، بمرور الزمن، المشروب الأول عندهم وبدأوا يطورن طريقة إعداده وبمرور الزمن تحول إلى المشروب الذي يوحد الفقراء والأغنياء والعرب والكرد والمسلمين والمسيحيين أو بتعبير أخر صار المشروب الذي يوحد العراقيين بمللهم ونحلهم.

بالرغم من أن هذا المشروب قد دخل على يد الهنود والإنكليز إلى البلاد إلا أن العراقيين قد غيروا من نكهته وحولوه إلى مشروب عراقي بامتياز فهم يشربونه بالهيل أو بلا هيل وطريقة تحضيره تختلف عن طرق تحضير الشعوب المجاورة أو طريقة تحضير الهنود أو الإنكليز.  يحضّر العراقيون الشاي بغلي الماء على الفحم أو الخشب المحروق (والغاز والكهرباء بعد التطور التقني) ثم يضيفون الشاي مع الهيل ويتركونه على نار هادئة كي يصل إلى النضج المناسب حيث رائحته العطرة تملأ المكان ليقدم في أكواب صغيرة تقدم للشاربين. سميت الأكواب الصغيرة بالإستكانات ومفردها استكان (East tea can) وإبريق الشاي بالقوري (كلمة فارسية تعني إبريق الشاي) وإبريق غلي الماء بالكيتلي (kettle).  هذا ما استورده العراقيون من الشعوب الأخرى فيما يخص الشاي كما استوردوا لفظة الچاي والذين انفردوا بها عن باقي الشعوب الناطقة باللغة العربية التي أسمته الشاي كما ورد في العربية الفصحى وقواميسها.  من الأشياء الأخرى التي استوردها العراقيون فيما يخص هذا المشروب هو السماور الذي وصلهم من إيران باسمه الأصلي سماڨر. السماور هو الوعاء المعدني الذي يقدم الماء الساخن لساعات طوال والذي كان يتم تسخينه بالفحم وبالكهرباء لاحقا ومازالت بعض مقاهي بغداد القديمة تحتفظ به وتستخدمه في صناعة الشاي بالطريقة التقليدية.  

بعد وصول الشاي إلى مرتبة المشروب الأول في البلد، تغير اسم المقهى باللهجة العراقية إلى “چاي خانة” التركية وترجمتها الحرفية مكان الشاي وصار هذا المشروب يقدم للضيوف في البيوت العراقية كرسالة ترحيب بالضيف وصار أي زائر للعراق يجد محلات باعة الشاي في الساحات العامة ومواقف السيارات وقرب المطاعم ومقابل الجامعات وعلى ضفاف الأنهار وفي الأسواق الشعبية والمجمعات التجارية فالكل يشرب الشاي في أي وقت من أوقات اليوم وساعات الليل المتأخرة.  إضافة إلى ذلك، تأصلت عادة شرب الشاي بعد الفطور ووجبتي الغداء والعشاء فلا يكتمل طقس تناول أي وجبة طعام إلا بعد شرب الشاي الساخن الذي يتم اعداده قبل تقديم الطعام بقليل. في رمضان الأمر مختلف تماما، فالشاي جاهز في بيوت العراقيين وله أهمية تساوي أهمية طعام الفطور والصائمون يعتبرونه ضروريا بعد تناول الفطور. بعد الفطور، يعد الشاي ويترك على نار هادئة ليكون متاحا للصائمين حيث يمكنهم تناوله حتى نهاية توقيت السحور والتوقف التام عن الأكل والشرب حسب ما هو معمول به في شهر رمضان.

للدور الذي يلعبه الشاي في حياة العراقيين المعاصرة، اشتهرت أغنية “خدري الچاي خدريه” في النصف الأول من القرن العشرين التي غنتها سليمة مراد وناظم الغزالي واليوم تعد من الأغاني التراثية العراقية التي صورت علاقة العراقيين مع الشاي.  كما أبدع الفنان التشكيلي الرائد نزار سليم لوحة زيتية باسم الأغنية ذاتها وتعد من أول الأعمال التشكيلية التي عكست ثقافة الچاي وطقوسه في البلاد التي يحتسي شعبها أكواب الچاي الصغيرة (الإستكانات) في برد الشتاء القارس وتحت حر الصيف اللاهب وفي أول ساعات الصبح الأولى وحتى ساعات الليل المتأخرة حتى صار شرب الچاي العراقي، اليوم، ملمحا مفصليا من ملامح الثقافة الشعبية ولا يمكن تخيل العراقي بلا چاي حتى في ديار الغربة فلا يمكن أن تجد مطعما عراقيا في أمريكا أو أوربا لا يقدم استكان الچاي الذي يملك طعما فريدا لا مثيل له في دول أخرى عرفت بثقافة الشاي أيضا.      

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *