• الجمعة. يوليو 26th, 2024

كيف تغيرت أوروبا لتتفوق على غيرها وتهيمن على العالم

يونيو 15, 2022 #أوروبا, #العالم

كتاب يرصد بالتفصيل أهمية مضائق البحار بالنسبة إلى التوسع الأوروبي والنزاعات التي قامت حولها على اعتبارها حدودا افتراضية لنقل أدوات الهيمنة.

الرؤى الاستعمارية ثقافة كاملة (لوحة للفنان كنت مونكمان)

يتناول كتاب “الهيمنة العالمية والإيمان بالتفوق -أوروبا من 1850- 1914” من تأليف يوهانس باولمان تطور مفهوم الهيمنة الأوروبية من خلال الإضاءة على التغيرات التي طالت المجتمعات الأوروبية بين عامي 1850 و1914، وهي حقبة شهدت وضع الأسس المادية والروحية لنشوء الفكر الاستعماري الأوروبي وأعطت أوروبا صورتها الحالية.

وصدر الكتاب أخيرا في نسخته العربية مشروع “كلمة” للترجمة في مركز أبوظبي للغة العربية، التابع لدائرة الثقافة والسياحة-أبوظبي، بترجمة سلافة عوض ومراجعة مصطفى سليمان.

ويشرح يوهانس باولمان في كتابه وبتفصيل شديد أهمية مضائق البحار بالنسبة إلى التوسع الأوروبي والنزاعات التي قامت حولها على اعتبارها حدوداً افتراضية مهمة لنقل أدوات الهيمنة من منتجات حديثة وأفكار وبعثات تبشيرية وغيرها إلى مختلف أنحاء العالم.

ويرى الكاتب أنه ومن خلال الشك بالماضي استطاعت أوروبا إنتاج معرفتها، حيث يتأسف نيتشه على قلة “الحيوية” التي وصمت النتاج الفكري الأوروبي في القرن التاسع عشر، كما يعرج باولمان على أفكار المؤرخ الأميركي جيمس شين وغيره من مفكري ذلك العصر والذين اعتبروا أن الإنجاز المحدد للقرن التاسع عشر ليس في قوته الابتكارية، وإنما في الطريقة التي تم بها دمج الأفكار المختلفة من الأزمنة السابقة وتطويرها.

ويستعرض الكاتب أفكاراً لعدد من علماء القرن التاسع عشر ومفكريه وتأثير هؤلاء الهام على تطور أوروبا مثل: تشارلز داروين، رودولف فيرشو، لويس باستور، روبرت كوخ فيلهلم، كونراد رونتجن، ماري كوري وغيرهم من العلماء ممن ساهموا في ظهور البحث العلمي ومأسسته.

واحتل موضوع الفرق ما بين التاريخ والتأريخ والتاريخانية وتطور هذه المفاهيم وتأثيرها على عملية نهوض أوروبا حيزاً مهماً من الكتاب، حيث استعرض الكاتب أسئلة من قبيل: إلى أين سيؤدي التطور؟ وما الهدف منه؟ وما الذي يجب الاحتفاظ به من الماضي؟ حيث مكّنت الأجوبة أوروبا من التطور دون نكران الماضي.

وبحسب الكتاب شهد القرن التاسع عشر ما أسماه نيتشه بـ”إعادة تقييم جميع القيم” مترافقا مع حركة نشر وكتابة واسعة شكّك فيها المفكرون بـ”الإيمان بالتفوق”، وظهور جدالات نتج عنها بروز النخب الثقافية في العواصم الأوروبية وسعى الأوروبيون بعدها إلى نشر ثقافتهم إلى ما وراء حدود قارتهم بعد تشكّل ما أسماه المؤرخ جون ماكنزي “استعمار الوعي” والنظر إلى الحكم الإمبريالي على أنه حق وواجب، وما تبع ذلك من تبلور الصورة الذاتية العنصرية “للبيض” مقارنة بـ”الملونين”، بالإضافة إلى الشعور العام بالتفوق.

وقد أعاد الاستعمار الأوروبي إنتاج اللغة والآداب والممارسات اللغوية المحلية، ليضمن استمراره، فالتقنيات المستخدمة في التحليل والترجمة في تلك الفترة كانت وليدة رغبات سياسية وثقافية، لخلق جوهر أوروبي مركزي، وتطوير أشكال الحكم في المستعمرات.

ويبدو التوجه الاستعماري لا يقف عند الحدود السياسية بل ينتهج بالأساس منظومة فكرية وثقافية كاملة، من بينها التركيز على الجانب اللغوي، فمفهوم اللغة الهندو- أوروبية، الذي ظهر في القرن السادس عشر، ليس إلا وليد جهود استعمارية، لكسر مركزية اللغات المقدسة الشرقية، كالعبرية والعربية، إذ افترض الأوروبي أن هناك أصلا واحدا لكل اللغات، ومن بعدها اختلفت الألسن، ما يعني غياب أصول متعددة تتداخل وتختلف، وتختزن التطور الاجتماعي والثقافي لمجموعة من الناس، بل جوهرا واحدا يتبع ذات القواعد في كل مكان.

كما أن التدوين الذي مارسته مؤسسات الاستعمار، ساهم في القضاء على التقاليد المحلية الشفهية، وأفقدها قيمتها الواقعية. إضافة إلى أن الجهود الأوروبية لتأصيل الكلمات والبحث في جذورها، وتقارب هذه الجذور، ليس إلا سعيا لإيجاد المعادل الموضوعي لتلك اللغة الأصيلة المتخيلة.

ويذكر أن المؤلِّف يوهانيس باولمان، عالم التاريخ الألماني، الذي ولد عام 1960 في دارمشتات، يعمل أستاذاً للتاريخ بجامعة يوهانيس غوتنبيرغ – ماينتز، ومديرا لمعهد لايبنتز للتاريخ الأوروبي.

وحاز باولمان جائزة جمعية المؤرِّخين الألمان في 2002. وعمل أستاذاً في جامعاتٍ مختلفة منها ميونيخ وبريمن، كما شغل كرسي هيلموت شميدت للتاريخ الدولي. كما عمل أستاذاً زائراً في جامعة إيموري في أتلانتا، وكلية لندن للاقتصاد، وكلية ماجدالين، وكلية سانت أنتوني في أكسفورد، والسوربون. أما المترجمة سلافة عوض، فهي مترجمة أدبية، ترجمت مجموعة من الأعمال الأدبية في “أدب الأطفال” لدى مشروع “كلمة” في مركز أبوظبي للغة العربية، وتعيش وتعمل في ألمانيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *