• السبت. يوليو 27th, 2024

 نفوذ إيران وحزب الله في أمريكا اللاتينية

أكتوبر 13, 2022

كلمات دالّة: حسن نصر الله, المقاومة الاسلامية, شهداء حزب الله, جهاد مغنية

تعمل إيران منذ عقود على التوسع دوليًا متخذةً أمريكا اللاتينية وجهة رئيسية لها. فالتفاوتات الواضحة في القارة وقربها من الولايات المتحدة والأهمية الدولية التي تكتسيها جعلت منها هدفا للثورة الإيرانية. أصبحت فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا من بين الحلفاء الرئيسيين لإيران، وهو أمر صادم ثقافيا إلا أنه بات واقعا راسخًا بشكل متزايد. لم تتردد إيران في استخدام بعثاتها الدبلوماسية والمغتربين اللبنانيين والمراكز الدينية تحقيقًا لهذه الغاية، الأمر الذي انتهى بتشكيل نموذج نفوذ خاص قائم على ثلاث مؤسسات: السفارات والشتات اللبناني والمراكز الاجتماعية والثقافية.

السيد حسن نصر الله, اناشيد حزب الله,

علاقات ومصالح إيران في أمريكا اللاتينية

قد يبدو أن إيران لا تهتم بأمريكا اللاتينية بالنظر إلى المسافة والبعد الثقافي، إلا أن الحقائق تظهر أن الأمر ليس كذلك. بالنسبة لطهران، تعتبر أمريكا اللاتينية أولوية دولية وزاد تغلغلها فيها منذ منتصف الثمانينات. وقد سبق أن وصفت وزارة الخارجية الإيرانية أمريكا اللاتينية بأنها “ذات قيمة كبيرة في حربها ضد الرأسمالية والنظام العالمي”. ورغم حقيقة أن وصول هوغو شافيز إلى السلطة مثّل ثورة بالنسبة لإيران في نصف الكرة الأرضية، إلا أن إيران قد أقامت بالفعل شبكاتها في أماكن أخرى مثل الأرجنتين والبرازيل وكوبا ونيكاراغوا قبل ذلك. والطابع الثوري المنسي منذ زمن طويل لنظام آيات الله يجعل من إيران دولة تبشيرية تحاول تمديد التغييرات الاجتماعية والسياسية التي أدخلتها في سنة 1979.

بالانتقال إلى قضايا أكثر خصوصية، يمكن رسم خريطة لمصالح إيران في أمريكا اللاتينية مع إبراز أربعة أهداف رئيسية تسعى لتحقيقها في نصف الكرة الأرضية:

1- زيادة النفوذ الدولي

تتمثل إحدى المشاكل التي تواجهها طهران منذ سنة 1979 في العزلة الدولية. وقد ساهمت الخلفية والطرق التي حوَّل بها آيات الله النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في إيران في اكتساب البلاد سلسلة من العداوات الدولية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. وإلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة – أكثر عدوين معروفين – إلا أن دولا عربية مثل المغرب والبحرين والسودان والمملكة العربية السعودية ليس لها علاقات دبلوماسية مع طهران أيضا. لهذا السبب، تُعاني إيران عجزًا هيكليًا من حيث توقعاتها الخارجية. ولديها حاليًا 101 بعثة دبلوماسية مفتوحة في الخارج و92 بعثة معتمدة في طهران.

صورة
الوفود الدبلوماسية الإيرانية في العالم

بأخذ 193 عضوًا في الأمم المتحدة كمرجع، يبدو جليا أن إيران لديها تمثيل دبلوماسي دائم أمام 52 بالمئة فقط من أعضاء المجتمع الدولي و47 بالمئة منهم فقط لديهم بعثة دبلوماسية مفتوحة في طهران. وتشير هذه الأرقام إلى أن جمهورية إيران الإسلامية دولة ذات حضور دولي ضئيل، مما يدفعها إلى البحث باستمرار عن شركاء جدد مثل أولئك الموجودين في القارة الأمريكية.

بالتركيز على أمريكا اللاتينية، لا يمكن نسيان حقيقة أن هذه المنطقة الجغرافية لها مقعدان بين الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن مما يمنحها 20 بالمئة من الأصوات، وهو أمر له أهمية حيوية لدولة مثل إيران التي تخضع باستمرار لرقابة هذه الهيئة.

2- زعزعة استقرار الولايات المتحدة

إن عداء إيران للولايات المتحدة لا يضاهيه إلا عداؤها لإسرائيل. ومع أن القارة الأمريكية حاسمة بالنسبة لأمن الولايات المتحدة وتأثيرها الدولي، إلا أن “مبدأ مونرو” يجعل منطقتها أيضا هدفًا لجميع الجهود المزعزعة للاستقرار من أعدائها. وبينما حاول الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة التأثير على كوبا أو المكسيك أو تشيلي أو نيكاراغوا، فإن أهداف هذه الجهود اليوم هي فنزويلا وبوليفيا والإكوادور ومؤخرا تشيلي. لهذا السبب، وجدت إيران في القارة الأمريكية نقطة ضعف مميتة للولايات المتحدة، وفكرتها الرئيسية محاولة جعل واشنطن تشعر بعدم الأمان ودفعها لتركيز الجهود على قارتها، وبالتالي تقليل وجودها في الشرق الأوسط.

3- كسب النقد الأجنبي عن طريق غسيل الأموال وتوليد الأصول

بسبب عزلتها الدولية، تعاني إيران من نقص هيكلي تقريبا في الموارد. ورغم كونها واحدة من دول العالم التي تمتلك أكبر احتياطيات هيدروكربونية، إلا أن العداوات والعقوبات الدولية تعني أنه على إيران البحث عن مصادر تمويل بديلة. كما أن جزءا كبيرا من هذه الموارد مخصص لتعزيز قيمها الثورية، التي بسببها تعتبر إيران من قبل باحثين مثل  جوزيف هوميرو إيلان بيرمان وإيلي كارمون أو مؤسسات مثل وزارة الخارجية أو الاتحاد الأوروبي أحد الأطراف المنخرطة بشكل منتظم في تجارة المخدرات وغسيل الأموال.

أنشأت إيران شبكات إجرامية مهمة في أماكن مثل فنزويلا وكولومبيا والحدود الثلاثية (البرازيل وباراغواي والأرجنتين) للحصول على الأموال من تهريب المخدرات وغسيل رؤوس الأموال التي تأتي من عالم الجريمة. استخدمت إيران أيضا “السوكري” – العملة المشفرة التي أنشأتها الدول الأعضاء في التحالف البوليفاري للأمريكتين (ألبا)- لغسيل الأموال من الأنشطة غير القانونية وتجنب العقوبات الدولية التي تثقل كاهلها.

4- السيطرة على الموارد الطبيعية

إن أمريكا اللاتينية قارة غنية بالمعادن، وخاصة العناصر الضرورية لإنتاج الأسلحة النووية وبالتحديد اليورانيوم. تمتلك إيران برنامجا نوويا طموحا يحتاج إلى تغذيته باليورانيوم، وهي مادة متوفرة في فنزويلا وبوليفيا والبرازيل والأرجنتين وبيرو.

تضع إيران نصب عينيها احتياطيات اليورانيوم في أمريكا اللاتينية، وهي تسعى أيضًا وراء معادن أخرى مثل الثوريوم أو الليثيوم التي تدخل في إنتاج الصواريخ. لفنزويلا طرق خروج خاصة بها لهذه المعادن، إلا أن منطقة التجارة الحرة في اكيكي في تشيلي هي طريق خروج المعادن من بيرو وبوليفيا والبرازيل. لهذا السبب، زادت إيران منذ بضع سنوات من جهودها للتأثير على تشيلي وكان صعود غابرييل بوريك إلى السلطة بشرى سارة لطهران.

5- تجنيد الأشخاص وتدريبهم لأغراض عنيفة

وجود حزب الله في أمريكا اللاتينية ليس جديدا بأي حال من الأحوال لأنه يعود إلى التسعينيات، ومنذ ذلك الحين كانت الميليشيات الموالية لإيران حاضرة في العديد من دول أمريكا اللاتينية إما عن طريق حزب الله أو كامتياز للجماعة اللبنانية. اتُهمت المجموعة من أصل لبناني بتجنيد مواطني أمريكا اللاتينية وتدريبهم لاحقا لتنفيذ هجمات إرهابية مثل تلك التي ارتكبت ضد السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس (1992)، أو تفجير آميا (1994) أو ضد السفير السعودي في واشنطن (2011). وفي حالة فنزويلا، يوجد ما يصل إلى ستة معسكرات تدريب للميليشيات الشيعية، موزعة بين ضواحي العاصمة وجزيرة مارغريتا.

صورة
اهتمامات وأنشطة إيران في أمريكا اللاتينية

أنواع العلاقات

بعد تحليل مصالح إيران في أمريكا اللاتينية، سنسلط فيما يلي الضوء على كيفية نسج طهران كل علاقاتها الثنائية مع دول أمريكا اللاتينية دون اتباع نفس استراتيجيات التقارب في جميع الحالات. وحسب ما يوضّحه الرسم البياني 1، يمكن التمييز بين ما يصل إلى أربع استراتيجيات مختلفة لنهج التقارب الإيراني:

صورة
علاقات إيران في أمريكا اللاتينية

أ) الرابطة الثورية: رسّخت بعض الدول مثل نيكاراغوا وكوبا علاقتها بإيران الخميني عند اندلاع ثورة 1979. يعد ارتباطها ثوريا بحتا، وبالتالي يمكن اعتبار نيكاراغوا وكوبا من رواد التوسع الإيراني في أمريكا اللاتينية. ومع أن هذه العلاقة لها أساس أيديولوجي، إلا أنه تم إنشاء طرق للتعاون العسكري والعلمي والاقتصادي بين هاتين الدولتين وطهران.

تعمل إيران منذ عقود على التوسع دوليًا متخذةً أمريكا اللاتينية وجهة رئيسية لها. فالتفاوتات الواضحة في القارة وقربها من الولايات المتحدة والأهمية الدولية التي تكتسيها جعلت منها هدفا للثورة الإيرانية. أصبحت فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا من بين الحلفاء الرئيسيين لإيران، وهو أمر صادم ثقافيا إلا أنه بات واقعا راسخًا بشكل متزايد. لم تتردد إيران في استخدام بعثاتها الدبلوماسية والمغتربين اللبنانيين والمراكز الدينية تحقيقًا لهذه الغاية، الأمر الذي انتهى بتشكيل نموذج نفوذ خاص قائم على ثلاث مؤسسات: السفارات والشتات اللبناني والمراكز الاجتماعية والثقافية.

علاقات ومصالح إيران في أمريكا اللاتينية

قد يبدو أن إيران لا تهتم بأمريكا اللاتينية بالنظر إلى المسافة والبعد الثقافي، إلا أن الحقائق تظهر أن الأمر ليس كذلك. بالنسبة لطهران، تعتبر أمريكا اللاتينية أولوية دولية وزاد تغلغلها فيها منذ منتصف الثمانينات. وقد سبق أن وصفت وزارة الخارجية الإيرانية أمريكا اللاتينية بأنها “ذات قيمة كبيرة في حربها ضد الرأسمالية والنظام العالمي”. ورغم حقيقة أن وصول هوغو شافيز إلى السلطة مثّل ثورة بالنسبة لإيران في نصف الكرة الأرضية، إلا أن إيران قد أقامت بالفعل شبكاتها في أماكن أخرى مثل الأرجنتين والبرازيل وكوبا ونيكاراغوا قبل ذلك. والطابع الثوري المنسي منذ زمن طويل لنظام آيات الله يجعل من إيران دولة تبشيرية تحاول تمديد التغييرات الاجتماعية والسياسية التي أدخلتها في سنة 1979.

بالانتقال إلى قضايا أكثر خصوصية، يمكن رسم خريطة لمصالح إيران في أمريكا اللاتينية مع إبراز أربعة أهداف رئيسية تسعى لتحقيقها في نصف الكرة الأرضية:

1- زيادة النفوذ الدولي

تتمثل إحدى المشاكل التي تواجهها طهران منذ سنة 1979 في العزلة الدولية. وقد ساهمت الخلفية والطرق التي حوَّل بها آيات الله النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي في إيران في اكتساب البلاد سلسلة من العداوات الدولية التي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. وإلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة – أكثر عدوين معروفين – إلا أن دولا عربية مثل المغرب والبحرين والسودان والمملكة العربية السعودية ليس لها علاقات دبلوماسية مع طهران أيضا. لهذا السبب، تُعاني إيران عجزًا هيكليًا من حيث توقعاتها الخارجية. ولديها حاليًا 101 بعثة دبلوماسية مفتوحة في الخارج و92 بعثة معتمدة في طهران.

صورة
الوفود الدبلوماسية الإيرانية في العالم

بأخذ 193 عضوًا في الأمم المتحدة كمرجع، يبدو جليا أن إيران لديها تمثيل دبلوماسي دائم أمام 52 بالمئة فقط من أعضاء المجتمع الدولي و47 بالمئة منهم فقط لديهم بعثة دبلوماسية مفتوحة في طهران. وتشير هذه الأرقام إلى أن جمهورية إيران الإسلامية دولة ذات حضور دولي ضئيل، مما يدفعها إلى البحث باستمرار عن شركاء جدد مثل أولئك الموجودين في القارة الأمريكية.

بالتركيز على أمريكا اللاتينية، لا يمكن نسيان حقيقة أن هذه المنطقة الجغرافية لها مقعدان بين الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن مما يمنحها 20 بالمئة من الأصوات، وهو أمر له أهمية حيوية لدولة مثل إيران التي تخضع باستمرار لرقابة هذه الهيئة.

2- زعزعة استقرار الولايات المتحدة

إن عداء إيران للولايات المتحدة لا يضاهيه إلا عداؤها لإسرائيل. ومع أن القارة الأمريكية حاسمة بالنسبة لأمن الولايات المتحدة وتأثيرها الدولي، إلا أن “مبدأ مونرو” يجعل منطقتها أيضا هدفًا لجميع الجهود المزعزعة للاستقرار من أعدائها. وبينما حاول الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة التأثير على كوبا أو المكسيك أو تشيلي أو نيكاراغوا، فإن أهداف هذه الجهود اليوم هي فنزويلا وبوليفيا والإكوادور ومؤخرا تشيلي. لهذا السبب، وجدت إيران في القارة الأمريكية نقطة ضعف مميتة للولايات المتحدة، وفكرتها الرئيسية محاولة جعل واشنطن تشعر بعدم الأمان ودفعها لتركيز الجهود على قارتها، وبالتالي تقليل وجودها في الشرق الأوسط.

3- كسب النقد الأجنبي عن طريق غسيل الأموال وتوليد الأصول

بسبب عزلتها الدولية، تعاني إيران من نقص هيكلي تقريبا في الموارد. ورغم كونها واحدة من دول العالم التي تمتلك أكبر احتياطيات هيدروكربونية، إلا أن العداوات والعقوبات الدولية تعني أنه على إيران البحث عن مصادر تمويل بديلة. كما أن جزءا كبيرا من هذه الموارد مخصص لتعزيز قيمها الثورية، التي بسببها تعتبر إيران من قبل باحثين مثل  جوزيف هوميرو إيلان بيرمان وإيلي كارمون أو مؤسسات مثل وزارة الخارجية أو الاتحاد الأوروبي أحد الأطراف المنخرطة بشكل منتظم في تجارة المخدرات وغسيل الأموال.

أنشأت إيران شبكات إجرامية مهمة في أماكن مثل فنزويلا وكولومبيا والحدود الثلاثية (البرازيل وباراغواي والأرجنتين) للحصول على الأموال من تهريب المخدرات وغسيل رؤوس الأموال التي تأتي من عالم الجريمة. استخدمت إيران أيضا “السوكري” – العملة المشفرة التي أنشأتها الدول الأعضاء في التحالف البوليفاري للأمريكتين (ألبا)- لغسيل الأموال من الأنشطة غير القانونية وتجنب العقوبات الدولية التي تثقل كاهلها.

4- السيطرة على الموارد الطبيعية

إن أمريكا اللاتينية قارة غنية بالمعادن، وخاصة العناصر الضرورية لإنتاج الأسلحة النووية وبالتحديد اليورانيوم. تمتلك إيران برنامجا نوويا طموحا يحتاج إلى تغذيته باليورانيوم، وهي مادة متوفرة في فنزويلا وبوليفيا والبرازيل والأرجنتين وبيرو.

تضع إيران نصب عينيها احتياطيات اليورانيوم في أمريكا اللاتينية، وهي تسعى أيضًا وراء معادن أخرى مثل الثوريوم أو الليثيوم التي تدخل في إنتاج الصواريخ. لفنزويلا طرق خروج خاصة بها لهذه المعادن، إلا أن منطقة التجارة الحرة في اكيكي في تشيلي هي طريق خروج المعادن من بيرو وبوليفيا والبرازيل. لهذا السبب، زادت إيران منذ بضع سنوات من جهودها للتأثير على تشيلي وكان صعود غابرييل بوريك إلى السلطة بشرى سارة لطهران.

5- تجنيد الأشخاص وتدريبهم لأغراض عنيفة

وجود حزب الله في أمريكا اللاتينية ليس جديدا بأي حال من الأحوال لأنه يعود إلى التسعينيات، ومنذ ذلك الحين كانت الميليشيات الموالية لإيران حاضرة في العديد من دول أمريكا اللاتينية إما عن طريق حزب الله أو كامتياز للجماعة اللبنانية. اتُهمت المجموعة من أصل لبناني بتجنيد مواطني أمريكا اللاتينية وتدريبهم لاحقا لتنفيذ هجمات إرهابية مثل تلك التي ارتكبت ضد السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس (1992)، أو تفجير آميا (1994) أو ضد السفير السعودي في واشنطن (2011). وفي حالة فنزويلا، يوجد ما يصل إلى ستة معسكرات تدريب للميليشيات الشيعية، موزعة بين ضواحي العاصمة وجزيرة مارغريتا.

صورة
اهتمامات وأنشطة إيران في أمريكا اللاتينية

أنواع العلاقات

بعد تحليل مصالح إيران في أمريكا اللاتينية، سنسلط فيما يلي الضوء على كيفية نسج طهران كل علاقاتها الثنائية مع دول أمريكا اللاتينية دون اتباع نفس استراتيجيات التقارب في جميع الحالات. وحسب ما يوضّحه الرسم البياني 1، يمكن التمييز بين ما يصل إلى أربع استراتيجيات مختلفة لنهج التقارب الإيراني:

صورة
علاقات إيران في أمريكا اللاتينية

أ) الرابطة الثورية: رسّخت بعض الدول مثل نيكاراغوا وكوبا علاقتها بإيران الخميني عند اندلاع ثورة 1979. يعد ارتباطها ثوريا بحتا، وبالتالي يمكن اعتبار نيكاراغوا وكوبا من رواد التوسع الإيراني في أمريكا اللاتينية. ومع أن هذه العلاقة لها أساس أيديولوجي، إلا أنه تم إنشاء طرق للتعاون العسكري والعلمي والاقتصادي بين هاتين الدولتين وطهران.

ب) الرابطة الاقتصادية: أقامت دول أخرى مثل الأرجنتين والبرازيل والمكسيك – وبدرجة أقل أوروغواي – علاقات مع إيران على أساس التبادل الاقتصادي، وهي تعود إلى زمن الشاه ولم تتأثر بأي حال من الأحوال بالثورة الإسلامية. وتحاول إيران غرس قيمها في هذه البلدان الأربعة مستفيدةً من هذه العلاقة.

ج) الرابطة الثورية الجديدة: مع أن الاهتمام بأمريكا اللاتينية يعود إلى أوائل الثمانينيات، إلا أن وصول محمود أحمدي نجاد إلى السلطة ساهم أولا في تعزيز إرادة طهران لتوسيع أيديولوجيتها؛ وثانيا تعزيز إرادتها للتوسع في أمريكا اللاتينية. في عملية التوسع عبر القارة الأمريكية، لعبت فنزويلا دورا أساسيا وهو ما يتضح من حقيقة أنها كانت الدولة الوحيدة التي زارها الرئيس الإيراني في الجولات الثلاث عبر أمريكا اللاتينية ما بين 2006 و2007.

منذ ذلك الحين، زاد التعاون بين فنزويلا وإيران بشكل كبير وطال جميع المجالات تقريبًا. اليوم، إيران هي الشريك التجاري الثاني لفنزويلا، فضلا عن كونها شريكا مراقبا للتحالف البوليفاري للأمريكتين (ألبا) وتعد رحلاتها المباشرة بوابة للإيرانيين في أمريكا اللاتينية. وتم مؤخرااعتقال خمسة إيرانيين من طاقم شركة “إمتراسور” الفنزويلية في بوينس آيرس بتهمة العمل لصالح المخابرات.

بفضل العلاقة المميزة مع فنزويلا، تمكنت إيران من التوسع إلى دول أخرى وبشكل أساسي الإكوادور وبوليفيا. كان الأب الروحي لهذه العلاقة هوغو شافيز، الذي سهل دخول إيران إلى هذين البلدين في المدار البوليفاري. ومؤخرًا، سافر نيكولاس مادورو إلى إيران بفكرة الحفاظ على ديمومة هذه العلاقة الوثيقة التي فقدت بريقها منذ وفاة شافيز.

د) النموذج التشيلي: تعتبر تشيلي نموذجا مختلفا منذ أن حاولت إيران ممارسة نفوذها بطريقة مختلفة تماما عن البقية. تعود العلاقات الدبلوماسية بين إيران وتشيلي إلى سنة 1903، إلا أن انقلاب سنة 1973 والثورة الإسلامية سنة 1979 يعني أن إيران لم يكن لديها وفد دائم حتى القرن الحادي والعشرين. لهذا السبب، نُفذت جميع الأنشطة في إيران من الوفد الدبلوماسي في بوينس آيرس، حيث تم اعتماد رجل دين يُدعى محسن رباني – يعتبر شخصية بارزة لشبكة النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية – كملحق ثقافي وكذلك كواحد من المفكرين المسؤولين عن الهجمات على السفارة الإسرائيلية (1992) و(1994) في تفجير آميا.

نموذج التأثير الإيراني في أمريكا اللاتينية

تم تصوير نموذج نفوذ إيران في أمريكا اللاتينية بشكل خيالي من قبل المدعي العام الأرجنتيني السابق ألبرتو نيسمان، وهو الأمر الذي ربما كلفه حياته. يقوم هذا النموذج على ثلاثة عناصر أساسية: السفارات والشتات اللبناني والمراكز الاجتماعية والدينية.

كانت السفارات أول العناصر التي سمحت بتطور النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية. يمكن رؤية هذا العنصر في الخريطة 2 عندما قررت إيران في سنة 2005 زيادة وجودها في أمريكا اللاتينية – حيث ضاعفت عمليا عدد سفاراتها من ستة إلى 11 – ليبدأ آيات الله سيطرته على القارة الأمريكية.

صورة
الوجود الدبلوماسي الإيراني في أمريكا اللاتينية

السفارات

بفضل الامتيازات الممنوحة بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، تتمتع الوفود الدبلوماسية وأعضاءها بسلسلة من الحصانات التي تمنعهم من الخضوع للولاية القضائية للدولة المستقبلة. لهذا السبب، عادة ما يكون للوفود الدبلوماسية الإيرانية قسم تابع لوزارة الاستخبارات والأمن القومي لجمهورية إيران وآخر تابع للحرس الثوري. والعديد من الدبلوماسيين المعتمدين في الخارج هم أيضًا أعضاء في الحرس الثوري، وهو أمر ظل واقعا ثابتا في أمريكا اللاتينية، على غرار ماجد صالحي (سفير في نيكاراغوا والإكوادور)، جواد حيدري (سفير في أوروغواي) أو عبد الرضا مصري (سفير فنزويلا). ومن اللافت للنظر أنه باستثناء السفير الحالي في أوروغواي، فإن بقية الدبلوماسيين الذين هم أيضا من الحرس الثوري معتمدون دائما في دول ذات علاقة ثورية أو ثورية جديدة. وما تدل عليه هذه الحقيقة هو الإرادة لتعزيز العلاقات مع الأقرب أيديولوجيًا.

كانت المرة الأولى التي استخدم فيها نموذج التأثير الإيراني في أمريكا اللاتينية في الأرجنتين. باستخدام ‘الغطاء’ الممنوح من الحماية الدبلوماسية، أنشأت إيران هيكلا سمح لها بتنفيذ الهجمات ضد السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس (1992) وضد آميا (1994). محسن رباني، رجل دين إيراني تدرب في قم وتم اعتماده في بوينس آيرس كملحق ثقافي، متهم بتدبير الهجوم. لم يكن اختيار هذه الشخصية عرضيا لأنه في منصب لا يحتاج إلى مكان في الدولة المستقبلة، مما يعني أنه يُستخدم أحيانا لإرسال مرفقات استخباراتية. وإيران معتادة على اعتماد الملحقين الثقافيين أو الاستخباراتيين في الخارج كحلقة وصل مع وحدة 910 التابعة لحزب الله، المسؤولة عن الهجمات خارج لبنان.

حتى وفاته في سنة 2008، كان الرجل الذي يُزعم أنه العقل المدبّر للهجمات في الأرجنتين – عماد فايز مغنية – لسنوات مسؤولا عن توجيه هذا القسم، مما يوضح لنا أهمية أمريكا اللاتينية لاستراتيجية الإرهاب بالنسبة لإيران وحزب الله. وهناك حالة أخرى لاستخدام الحصانات الدبلوماسية لأغراض إجرامية وهو ما قام به الدبلوماسي أحمد ساباتغولد، الذي كان متورطا في تهريب الأسلحة عندما تم اعتماده كدبلوماسي في أوروغواي. سمحت له الحصانات الدبلوماسية بتجنب السجن، على الرغم من أنها لم تمنع طرده من الدولة الواقعة في أمريكا اللاتينية.

كثيرا ما تعتمد إيران عددا كبيرا من الدبلوماسيين في مهامها دون أن يعارض ذلك أهمية مصالحها في البلاد. كانت الحالة الأكثر لفتا للانتباه في بوليفيا، عندما اعتمدت طهران ما يصل إلى 150 دبلوماسيا، وهو رقم غير متناسب بالنظر إلى مصالحها في بوليفيا، مما يجعلنا نعتقد أن العديد من هؤلاء الدبلوماسيين لم يكونوا مكرسين لهذه الوظائف.

في بعض الأحيان، يتم استخدام مباني البعثة الدبلوماسية للقيام بأنشطة دعائية أو غير قانونية. وكما يتضح من الجدول 2، فإن العديد من المراكز الثقافية التي تمتلكها إيران في أمريكا اللاتينية هي إما جزء من مباني البعثة الدبلوماسية أو تقع على مسافة قصيرة من السفارة، مما يشير إلى درجة السيطرة التي تمارسها طهران حول هذه المراكز للسعي وراء مصالحها في هذا الجزء من العالم.

العلاقة بين الوفود الدبلوماسية والمراكز الاجتماعية الإيرانية:

السفارةالعنوانمركز ثقافي/ دينيالعنوانالمسافة
بوينس آيرسسفارة إيران، شارعفيغيروا الكورتا3229، C1425 كابا، الأرجنتينمسجد التوحيدفيليبي فاليس، سي1407 كابا، الأرجنتين9.6 كيلومتر
كاراكاسشارع موري، كاراكاس1030، منطقة العاصمة، فنزويلامركز التبادل الثقافي الإيراني لأمريكا اللاتينيةطريق حضري،كاراكاس 1020، منطقة العاصمة، فنزويلا5.5 كيلومتر
لابازشارع 11 رقم 7805 شارع انفوينتس كالاكوتو، لاباز، بوليفياأهل البيتركن الطالب ساحة لانديتا إد قمرة رقم 221الدور الثانى من. 2 بصندوق بريد # 3701.5 كيلومتر
مونتيفيديوميرافلوريس 1467، 11500مونتيفيديو،قسم مونتيفيديو، أوروغوايالمركز الإسلامي في أوروغوايسوريانو، 11200 مونتيفيديو،قسم مونتيفيديو، أوروغواي11 كيلومتر
كيتوج / e14-y ،شارع.غرانادوس وخوسيه كويري، كيتو، الإكوادورالمركز الثقافي الإكوادوري أو الإيراني للتعاون الثقافيRGF3 + M9R ، ألجوميدو، كيتو 170147، الإكوادور3.9 كيلومتر
سانتياغو دي تشيليإستوريل 755، لاس كونديس، سانتياغوالمركز الإسلاميمارتين دي زامورا 4224، لاس كونديس، منطقة العاصمة، تشيلي7.4 كيلومتر
ماناغواالمسلات السكنية، 3R87 + 3VF، ماناغوا، نيكاراغواالمركز الإسلامينيكاراغوا السكنيةالمسلات، 3R87 + 3VF،ماناغوا نيكاراغوا9 كيلومترات

كما هو مبين لاحقًا، هذه المراكز ضرورية لتطوير أنشطة إيران في أمريكا اللاتينية، وهذا ما يُفسر خضوع المراكز الاجتماعية الإيرانية غالبا لسيطرة الوفود الدبلوماسية بشكل مباشر.

الشتات والشبكات الاقتصادية

يعد الشتات اللبناني في أمريكا اللاتينية من العناصر التي تستخدمها إيران لتحقيق أهدافها. ورغم عدم وجود إجماع على الرقم (انظر الجدول 2)، تشير التقديرات إلى أن حوالي 10000000 مواطن من أصل لبناني يقيمون في المنطقة.

عدد السكان اللبنانيين المقيمين في أرجاء أمريكا اللاتينية

الدولةأقل تقديرأعلى تقديرالنسبة المئوية لمجموع السكان 
البرازيل2.000.0005.800.0002.7%
الأرجنتين1.200.0003.500.007.7%
فنزويلا 341.0001.000.0003.75%
كولومبيا125.000700.0001.37%
المكسيك240.000400.0000.3%
جمهورية الدومينكان80.00080.0000.8%
الإكوادور98.000250.0001.4%
أوروغواي53.00070.0000.00002%
كوستا ريكا30.20030.2000.604%
السلفادور27.40027.4000.42%
تشيلي27.00027.0000.14%
غواتيمالا22.50022.5000.13%
جامايكا22.00022.0000.73%
هندوراس 20.00020.0000.2%
كوبا20.00020.0000.18
باناما 16.00016.0000.37%
باراغواي15.50015.5000.210%
بوليفيا12.00012.0000.10%
هايتي12.00012.0000.10%
نيكاراغوا 6.0006.0000.09%
بيرو240024000.007%
غوادلوبي 320032000.17%

في حين أن وجود الجالية اللبنانية في دول مثل بيرو محتشم عمليا، إلا أنه مهم في أخرى مثل الأرجنتين أو البرازيل حيث يتجاوز الأرقام المكونة من سبعة أرقام في كلتا الحالتين. وتعتبر نسبة اللبنانيين في الأرجنتين البالغة 8 بالمئة من إجمالي عدد السكان مهمة للغاية. لهذا السبب، قررت إيران الثورية استخدام الأرجنتين كمركز للوصول إلى القارة الأمريكية.

صورة
النسبة المئوية للسكان اللبنانيين من إجمالي السكان

على الرغم من أن معظم اللبنانيين في أمريكا اللاتينية لا تربطهم علاقة بإيران أو حزب الله، إلا أن المواطنين الآخرين يمثلون حلقة وصل مع طهران ومنفذون لأوامر حزب الله. يمكن العثور على بعض الأمثلة في فنزويلا، حيث يستخدم وزير الداخلية طارق العيسمي والعديد من الدبلوماسيين وضعهم كلبنانيين للعمل كحلقة وصل مع طهران.

هناك حالات أخرى مثل الكولومبي شكري حرب (المعروف باسم طالبان) أو الإكوادوري راضي زعيتر الذي استخدموا أعماله الخاصة كغطاء لغسيل أموال مخدرات حزب الله. وكانت الوجهة النهائية لهذه الأموال تمويل أنشطة حزب الله العسكرية في الشرق الأوسط.  يعتبر هذا الرابط مهما للغاية بالنسبة للمنظمة، حيث أن 40 بالمئة من ميزانية المنظمة قادم من الخارج باستخدام وسائل غير مشروعة مثل الاختطاف أو تهريب المخدرات.

بالنظر إلى دول مثل فنزويلا والبرازيل والأرجنتين، البلدان التي تكون فيها نسبة اللبنانيين أعلى، يتضح أن هناك تمثيلا دبلوماسيا أكبر لإيران. وفي المناطق التي يتركز فيها أكبر عدد من اللبنانيين، يركز حزب الله أنشطته. فعلى سبيل المثال، تُستخدم بعض الأماكن مثل تريبل فرونتير أو جزيرة مارغاريتا من قبل الجماعة اللبنانية لأغراض التهريب والتدريب العسكري. لذلك يوجد صلة مباشرة بين وجود الشتات اللبناني والأنشطة المرتبطة بحزب الله وإيران.

تستخدم إيران اللبنانيين لتمويه أعضاء حزب الله الذين يتم إرسالهم إلى أمريكا اللاتينية لتنفيذ هجمات. كما رأينا من قبل، هذه هي الطريقة التي استخدمتها إيران لإخفاء العقل المدبّر لتفجير مركز آميا سنة 1994. وفي ختام هذا القسم، لابد من الإشارة إلى أننا لا نلوم الشتات اللبناني على وجود إيران في أمريكا اللاتينية، وإنما نُبيّن مدى براعة طهران في العثور على المتواطئين، وقبل كل شيء في إخفاء عملائها بينهم.

المراكز الاجتماعية والدينية والتعليمية

يعتبر السكان المدنيون من الأهداف الرئيسية لإيران. لهذا السبب، تعمل إيران على بناء شبكة واسعة من المراكز الاجتماعية والدينية للتعامل مع السكان في البلدان التي لديها مصالح فيها. والهدف من هذه السياسة ينقسم إلى جزئين. تسعى هذه السياسة من جهة لكسب تأييد الأشخاص المعرضين للخطر أو المستبعدين بشكل مباشر من أجل استخدامهم كسلاح مزعزع للاستقرار ضد الحكومات غير المرتبطة به. ومن جهة أخرى، تسعى إلى إقناع مساعدين بإرسالهم إلى إيران للتلقين أو حتى تدريبهم لارتكاب هجمات في القارة الأمريكية.

هذا هو حال خوسيه ميغيل روخاس إسبينوزا الذي حاول تنفيذ هجومين بالقنابل على سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل في كاراكاس في سنة 2006. وخارج النشاط الإرهابي، نجد أمثلة لمواطني أمريكا اللاتينية الذين تم أسرهم في هذه المراكز وإرسالهم إلى مدينة قم الإيرانية لتدريبهم كقادة دينيين. من بين أمور أخرى، يمكننا تسليط الضوء على شخصيات في هذا الإطار مثل الأرجنتيني محسن علي أو الكولومبي سعيد علي مونتانيو.

المراكز الدينية والاجتماعية الرئيسية التي تروج لها إيران

الأرجنتين
التوحيدالعاصمة الفيدرالية
الإمامكانواليس
الشهيدسان ميغيل ديل توكومان
مسجد مار دل بلاتامار دل بلاتا
تشيلي
مركز الثقافة الإسلاميةلاس كونديس
مركز الإمام المهدي الإسلاميسانتياغو دي تشيلي
الإكوادور
المركز الثقافي الإكوادوري الإيرانيكيتو 
فنزويلا
مركز التبادل الثقافي الإيراني لأمريكا اللاتينيةكاراكاس
المركز الإسلامي الإمام الهاديكاراكاس
كولومبيا
دار أهل البيت للثقافة الإسلاميةبوغوتا
مسجد الرضابوغوتا
أوروغواي
المركز الإسلامي أوروغوايمونتيفيديو
بوليفيا
أهل بيت بوليفيالاباز
نيكاراغوا
المركز الثقافي الإسلامي النيكاراغوي ماناغوا
كوبا
مركز المعصومين الإسلاميهافانا

عادة ما يترأس هذه المراكز قادة دينيون إيرانيون مثل علي رضا ميرجليلي أو هؤلاء المواطنين الأمريكيين اللاتينيين المدربين في إيران الذين تحدثنا عنهم. وسواء كان ذلك أو ذاك، فقد نشر هؤلاء القادة روايات تروج لها طهران بهدف كسب أتباع في أمريكا اللاتينية.

بعيدا عن التصرف بشكل مستقل، يتم دمج هؤلاء القادة الدينيين في سلسلة من المؤسسات الإيرانية يتم تنسيق انتشار رسالتهم منها، مما يعطينا فكرة عن من يقف وراءها. هكذا نجد الهياكل التالية التي تستخدمها هذه المراكز للقيام بعملها:

أ) الندوة العالمية لأهل البيت التي تجمع هؤلاء القادة في طهران كل أربع سنوات. من هنا يتم تحديد خطوط النفوذ الرئيسية في أمريكا اللاتينية.

ب) مدرسة أهل البيت حيث يتم تدريب قادة المستقبل بعضهم مثل الشيخ عبد الكريم باز ولدوا في أمريكا اللاتينية، تم تجنيدهم في هذه المراكز الاجتماعية وإرسالهم إلى مدينة قم للتدريب. من بين معلمي هذه المدرسة، التي أصبحت الآن افتراضية أيا، نجد الشيخ الشهير محسن رباني المسؤول عن الهجمات في الأرجنتين.

ج) يعتبر معهد السلام الذراع الجامعية لإيران في أمريكا اللاتينية وهو مرتبط بجامعة الأديان والمذاهب ومقرها قم في إيران. من بين أساتذته نجد الشيخ عبد الكريم باز المذكور أعلاه وكذلك الأرجنتيني “الشيخ” سهيل أسعد أو الشيخ الكولومبي سعيد علي مونتانيو الذين هم بدورهم جزء من مدرسة أهل البيت.

يتمركز مدير المعهد الشيخ علي رضا ميرجليلي في الإكوادور وكولومبيا والسلفادور ونيكاراغوا. في السابق، كان مسؤولاً عن تدريس اللغة الإسبانية لرجال دين شباب في جامعة المصطفى في قم الذين سيذهبون لاحقًا إلى أمريكا اللاتينية إلى المراكز الاجتماعية والدينية. ويرتبط معهد السلام أيضا بدار النشر “الفارو” حيث نجد قصصًا للأطفال يتم فيها تعظيم شخصية الجنرال سليماني.

د) اعتماد قنوات اتصال مختلفة مثل وكالة أنباء أهل البيت، وإسبان تي في أو قناة بيت الله التي تسعى إلى نشر رسالة إيران في أمريكا اللاتينية. ويعمل الصحفيون المقربون من إيران في هذه الوسائط، مثل روبنسون روبلز في الإكوادور أو روبرتو دي لا مدريد في المكسيك.

صورة
نظام التأثير الاجتماعي والديني الإيراني

كما هو الحال مع السفارات والمغتربين اللبنانيين، فإن المراكز الاجتماعية والثقافية الإيرانية ليست أكثر من أداة أخرى تستخدمها إيران لممارسة تأثير في المجتمع يساعدها على تحقيق أهدافها في أمريكا اللاتينية. وخير مثال على ذلك قصة مواطن كولومبي يحمل لقب دورموت أصبح متطرفًا في المعهد الإسلامي في مقاطعة كوزار، أو قصة مواطن من بيرو يحمل لقب أمادار مرتبط بحزب الله تم اعتقاله في ليما سنة 2014 بتهمة تكديس متفجرات لمهاجمة وفد دبلوماسي.

الاستنتاجات

منذ وصول آية الله الخميني إلى السلطة، وجدت إيران في أمريكا اللاتينية مجالًا مفتوحًا لتمديد ثورتها. اعتمادًا على طبيعة الدولة، تعمل طهران على إنشاء أنواع مختلفة من نماذج العلاقات، بدءًا بالنموذج الثوري مرورا بالنموذج الاقتصادي وصولًا إلى النموذج الثوري الجديد الذي أسست من خلاله وجودها في فنزويلا.

تسمح هذه النماذج لإيران بتحقيق سلسلة من الأهداف التي تتراوح من زيادة نفوذها الدولي إلى غسيل أموال تهريب المخدرات. هذا إلى جانب البحث عن الموارد الطبيعية لبرنامجها النووي أو تجنيد مواطني أمريكا اللاتينية لأغراض إرهابية. كل هذه الإجراءات هي أساس اهتمام إيران ونشاطها في أمريكا اللاتينية.

كان تنفيذ هذه الأنشطة ممكنًا بفضل نموذج لا تزال الوفود الدبلوماسية تمثل قاعدته. تستخدم إيران سفاراتها كقواعد لوجستية تنسج منها شبكاتها والشبكات التي ستعمل لاحقًا على تحقيق الأغراض المذكورة أعلاه. لهذا السبب، ضاعفت إيران في السنوات الأخيرة وجودها الدبلوماسي في القارة الأمريكية، من خمس إلى 11 سفارة. تسمح الحصانات الدبلوماسية التي توفرها هذه السفارات بتجنب ضوابط الشرطة وبالتالي تفسح المجال لأتباعها لممارسة  نشاطها.

في العديد من المناسبات يتم تنفيذ هذه الأنشطة من خلال الشتات اللبناني الواسع في أمريكا اللاتينية. وقد وصل اندماج اللبنانيين في أمريكا اللاتينية لدرجة أننا نجد أحيانًا منهم من يشكلون جزءًا من الحكومات أو من موظفي الخدمة المدنية. تسهّل هذه الخصوصية عمل طهران من خلال وجود طابور خامس داخل دول أمريكا اللاتينية. في المناطق التي يتواجد فيها عدد أكبر من اللبنانيين، مثل الحدود الثلاثية وبارانكويلا وجزيرة مارغريتا وما إلى ذلك، يجد حزب الله الظروف اللازمة للقيام بأنشطته دون إثارة الشكوك.

بالإضافة إلى الإجراءات السياسية والاقتصادية، سعت إيران أيضًا إلى التأثير على المجتمعات للبحث عن مساعدين وتجنيد عناصر. وفي كلتا الحالتين، تلعب المراكز الاجتماعية دورا أساسيا بعضها، مثل المركز الإسلامي الإيراني الإكوادوري، تم إنشاؤه من الصفر في حين أن البعض الآخر مثل المركز الإسلامي في أوروغواي تم “احتلاله” من السنة من أجل القيام بنشاطهم السري هناك. يتم تجنيد مساعدين من هذه المراكز ويتم تدريب العملاء وإنشاء روايات مؤيدة لإيران. وتسعى هياكل مثل معهد السلام للتأثير على المراكز التعليمية الجامعية والتعليم العام الأساسي، وهكذا تنشئ جيل المستقبل من المواطنين القريبين من إيران في أمريكا اللاتينية.

تستخدم هذه الشبكة المعقدة من الموارد المنتشرة على بعد أميال من إيران لتحقيق أهداف السياسة الخارجية في منطقة مثل أمريكا اللاتينية، حيث تصبح عدم المساواة والفقر وخيبة الأمل أفكارًا.

ب) الرابطة الاقتصادية: أقامت دول أخرى مثل الأرجنتين والبرازيل والمكسيك – وبدرجة أقل أوروغواي – علاقات مع إيران على أساس التبادل الاقتصادي، وهي تعود إلى زمن الشاه ولم تتأثر بأي حال من الأحوال بالثورة الإسلامية. وتحاول إيران غرس قيمها في هذه البلدان الأربعة مستفيدةً من هذه العلاقة.

ج) الرابطة الثورية الجديدة: مع أن الاهتمام بأمريكا اللاتينية يعود إلى أوائل الثمانينيات، إلا أن وصول محمود أحمدي نجاد إلى السلطة ساهم أولا في تعزيز إرادة طهران لتوسيع أيديولوجيتها؛ وثانيا تعزيز إرادتها للتوسع في أمريكا اللاتينية. في عملية التوسع عبر القارة الأمريكية، لعبت فنزويلا دورا أساسيا وهو ما يتضح من حقيقة أنها كانت الدولة الوحيدة التي زارها الرئيس الإيراني في الجولات الثلاث عبر أمريكا اللاتينية ما بين 2006 و2007.

منذ ذلك الحين، زاد التعاون بين فنزويلا وإيران بشكل كبير وطال جميع المجالات تقريبًا. اليوم، إيران هي الشريك التجاري الثاني لفنزويلا، فضلا عن كونها شريكا مراقبا للتحالف البوليفاري للأمريكتين (ألبا) وتعد رحلاتها المباشرة بوابة للإيرانيين في أمريكا اللاتينية. وتم مؤخرااعتقال خمسة إيرانيين من طاقم شركة “إمتراسور” الفنزويلية في بوينس آيرس بتهمة العمل لصالح المخابرات.

بفضل العلاقة المميزة مع فنزويلا، تمكنت إيران من التوسع إلى دول أخرى وبشكل أساسي الإكوادور وبوليفيا. كان الأب الروحي لهذه العلاقة هوغو شافيز، الذي سهل دخول إيران إلى هذين البلدين في المدار البوليفاري. ومؤخرًا، سافر نيكولاس مادورو إلى إيران بفكرة الحفاظ على ديمومة هذه العلاقة الوثيقة التي فقدت بريقها منذ وفاة شافيز.

د) النموذج التشيلي: تعتبر تشيلي نموذجا مختلفا منذ أن حاولت إيران ممارسة نفوذها بطريقة مختلفة تماما عن البقية. تعود العلاقات الدبلوماسية بين إيران وتشيلي إلى سنة 1903، إلا أن انقلاب سنة 1973 والثورة الإسلامية سنة 1979 يعني أن إيران لم يكن لديها وفد دائم حتى القرن الحادي والعشرين. لهذا السبب، نُفذت جميع الأنشطة في إيران من الوفد الدبلوماسي في بوينس آيرس، حيث تم اعتماد رجل دين يُدعى محسن رباني – يعتبر شخصية بارزة لشبكة النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية – كملحق ثقافي وكذلك كواحد من المفكرين المسؤولين عن الهجمات على السفارة الإسرائيلية (1992) و(1994) في تفجير آميا.

نموذج التأثير الإيراني في أمريكا اللاتينية

تم تصوير نموذج نفوذ إيران في أمريكا اللاتينية بشكل خيالي من قبل المدعي العام الأرجنتيني السابق ألبرتو نيسمان، وهو الأمر الذي ربما كلفه حياته. يقوم هذا النموذج على ثلاثة عناصر أساسية: السفارات والشتات اللبناني والمراكز الاجتماعية والدينية.

كانت السفارات أول العناصر التي سمحت بتطور النفوذ الإيراني في أمريكا اللاتينية. يمكن رؤية هذا العنصر في الخريطة 2 عندما قررت إيران في سنة 2005 زيادة وجودها في أمريكا اللاتينية – حيث ضاعفت عمليا عدد سفاراتها من ستة إلى 11 – ليبدأ آيات الله سيطرته على القارة الأمريكية.

صورة
الوجود الدبلوماسي الإيراني في أمريكا اللاتينية

السفارات

بفضل الامتيازات الممنوحة بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، تتمتع الوفود الدبلوماسية وأعضاءها بسلسلة من الحصانات التي تمنعهم من الخضوع للولاية القضائية للدولة المستقبلة. لهذا السبب، عادة ما يكون للوفود الدبلوماسية الإيرانية قسم تابع لوزارة الاستخبارات والأمن القومي لجمهورية إيران وآخر تابع للحرس الثوري. والعديد من الدبلوماسيين المعتمدين في الخارج هم أيضًا أعضاء في الحرس الثوري، وهو أمر ظل واقعا ثابتا في أمريكا اللاتينية، على غرار ماجد صالحي (سفير في نيكاراغوا والإكوادور)، جواد حيدري (سفير في أوروغواي) أو عبد الرضا مصري (سفير فنزويلا). ومن اللافت للنظر أنه باستثناء السفير الحالي في أوروغواي، فإن بقية الدبلوماسيين الذين هم أيضا من الحرس الثوري معتمدون دائما في دول ذات علاقة ثورية أو ثورية جديدة. وما تدل عليه هذه الحقيقة هو الإرادة لتعزيز العلاقات مع الأقرب أيديولوجيًا.

كانت المرة الأولى التي استخدم فيها نموذج التأثير الإيراني في أمريكا اللاتينية في الأرجنتين. باستخدام ‘الغطاء’ الممنوح من الحماية الدبلوماسية، أنشأت إيران هيكلا سمح لها بتنفيذ الهجمات ضد السفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس (1992) وضد آميا (1994). محسن رباني، رجل دين إيراني تدرب في قم وتم اعتماده في بوينس آيرس كملحق ثقافي، متهم بتدبير الهجوم. لم يكن اختيار هذه الشخصية عرضيا لأنه في منصب لا يحتاج إلى مكان في الدولة المستقبلة، مما يعني أنه يُستخدم أحيانا لإرسال مرفقات استخباراتية. وإيران معتادة على اعتماد الملحقين الثقافيين أو الاستخباراتيين في الخارج كحلقة وصل مع وحدة 910 التابعة لحزب الله، المسؤولة عن الهجمات خارج لبنان.

حتى وفاته في سنة 2008، كان الرجل الذي يُزعم أنه العقل المدبّر للهجمات في الأرجنتين – عماد فايز مغنية – لسنوات مسؤولا عن توجيه هذا القسم، مما يوضح لنا أهمية أمريكا اللاتينية لاستراتيجية الإرهاب بالنسبة لإيران وحزب الله. وهناك حالة أخرى لاستخدام الحصانات الدبلوماسية لأغراض إجرامية وهو ما قام به الدبلوماسي أحمد ساباتغولد، الذي كان متورطا في تهريب الأسلحة عندما تم اعتماده كدبلوماسي في أوروغواي. سمحت له الحصانات الدبلوماسية بتجنب السجن، على الرغم من أنها لم تمنع طرده من الدولة الواقعة في أمريكا اللاتينية.

كثيرا ما تعتمد إيران عددا كبيرا من الدبلوماسيين في مهامها دون أن يعارض ذلك أهمية مصالحها في البلاد. كانت الحالة الأكثر لفتا للانتباه في بوليفيا، عندما اعتمدت طهران ما يصل إلى 150 دبلوماسيا، وهو رقم غير متناسب بالنظر إلى مصالحها في بوليفيا، مما يجعلنا نعتقد أن العديد من هؤلاء الدبلوماسيين لم يكونوا مكرسين لهذه الوظائف.

في بعض الأحيان، يتم استخدام مباني البعثة الدبلوماسية للقيام بأنشطة دعائية أو غير قانونية. وكما يتضح من الجدول 2، فإن العديد من المراكز الثقافية التي تمتلكها إيران في أمريكا اللاتينية هي إما جزء من مباني البعثة الدبلوماسية أو تقع على مسافة قصيرة من السفارة، مما يشير إلى درجة السيطرة التي تمارسها طهران حول هذه المراكز للسعي وراء مصالحها في هذا الجزء من العالم.

العلاقة بين الوفود الدبلوماسية والمراكز الاجتماعية الإيرانية:

السفارةالعنوانمركز ثقافي/ دينيالعنوانالمسافة
بوينس آيرسسفارة إيران، شارعفيغيروا الكورتا3229، C1425 كابا، الأرجنتينمسجد التوحيدفيليبي فاليس، سي1407 كابا، الأرجنتين9.6 كيلومتر
كاراكاسشارع موري، كاراكاس1030، منطقة العاصمة، فنزويلامركز التبادل الثقافي الإيراني لأمريكا اللاتينيةطريق حضري،كاراكاس 1020، منطقة العاصمة، فنزويلا5.5 كيلومتر
لابازشارع 11 رقم 7805 شارع انفوينتس كالاكوتو، لاباز، بوليفياأهل البيتركن الطالب ساحة لانديتا إد قمرة رقم 221الدور الثانى من. 2 بصندوق بريد # 3701.5 كيلومتر
مونتيفيديوميرافلوريس 1467، 11500مونتيفيديو،قسم مونتيفيديو، أوروغوايالمركز الإسلامي في أوروغوايسوريانو، 11200 مونتيفيديو،قسم مونتيفيديو، أوروغواي11 كيلومتر
كيتوج / e14-y ،شارع.غرانادوس وخوسيه كويري، كيتو، الإكوادورالمركز الثقافي الإكوادوري أو الإيراني للتعاون الثقافيRGF3 + M9R ، ألجوميدو، كيتو 170147، الإكوادور3.9 كيلومتر
سانتياغو دي تشيليإستوريل 755، لاس كونديس، سانتياغوالمركز الإسلاميمارتين دي زامورا 4224، لاس كونديس، منطقة العاصمة، تشيلي7.4 كيلومتر
ماناغواالمسلات السكنية، 3R87 + 3VF، ماناغوا، نيكاراغواالمركز الإسلامينيكاراغوا السكنيةالمسلات، 3R87 + 3VF،ماناغوا نيكاراغوا9 كيلومترات

كما هو مبين لاحقًا، هذه المراكز ضرورية لتطوير أنشطة إيران في أمريكا اللاتينية، وهذا ما يُفسر خضوع المراكز الاجتماعية الإيرانية غالبا لسيطرة الوفود الدبلوماسية بشكل مباشر.

الشتات والشبكات الاقتصادية

يعد الشتات اللبناني في أمريكا اللاتينية من العناصر التي تستخدمها إيران لتحقيق أهدافها. ورغم عدم وجود إجماع على الرقم (انظر الجدول 2)، تشير التقديرات إلى أن حوالي 10000000 مواطن من أصل لبناني يقيمون في المنطقة.

عدد السكان اللبنانيين المقيمين في أرجاء أمريكا اللاتينية

الدولةأقل تقديرأعلى تقديرالنسبة المئوية لمجموع السكان 
البرازيل2.000.0005.800.0002.7%
الأرجنتين1.200.0003.500.007.7%
فنزويلا 341.0001.000.0003.75%
كولومبيا125.000700.0001.37%
المكسيك240.000400.0000.3%
جمهورية الدومينكان80.00080.0000.8%
الإكوادور98.000250.0001.4%
أوروغواي53.00070.0000.00002%
كوستا ريكا30.20030.2000.604%
السلفادور27.40027.4000.42%
تشيلي27.00027.0000.14%
غواتيمالا22.50022.5000.13%
جامايكا22.00022.0000.73%
هندوراس 20.00020.0000.2%
كوبا20.00020.0000.18
باناما 16.00016.0000.37%
باراغواي15.50015.5000.210%
بوليفيا12.00012.0000.10%
هايتي12.00012.0000.10%
نيكاراغوا 6.0006.0000.09%
بيرو240024000.007%
غوادلوبي 320032000.17%

في حين أن وجود الجالية اللبنانية في دول مثل بيرو محتشم عمليا، إلا أنه مهم في أخرى مثل الأرجنتين أو البرازيل حيث يتجاوز الأرقام المكونة من سبعة أرقام في كلتا الحالتين. وتعتبر نسبة اللبنانيين في الأرجنتين البالغة 8 بالمئة من إجمالي عدد السكان مهمة للغاية. لهذا السبب، قررت إيران الثورية استخدام الأرجنتين كمركز للوصول إلى القارة الأمريكية.

صورة
النسبة المئوية للسكان اللبنانيين من إجمالي السكان

على الرغم من أن معظم اللبنانيين في أمريكا اللاتينية لا تربطهم علاقة بإيران أو حزب الله، إلا أن المواطنين الآخرين يمثلون حلقة وصل مع طهران ومنفذون لأوامر حزب الله. يمكن العثور على بعض الأمثلة في فنزويلا، حيث يستخدم وزير الداخلية طارق العيسمي والعديد من الدبلوماسيين وضعهم كلبنانيين للعمل كحلقة وصل مع طهران.

هناك حالات أخرى مثل الكولومبي شكري حرب (المعروف باسم طالبان) أو الإكوادوري راضي زعيتر الذي استخدموا أعماله الخاصة كغطاء لغسيل أموال مخدرات حزب الله. وكانت الوجهة النهائية لهذه الأموال تمويل أنشطة حزب الله العسكرية في الشرق الأوسط.  يعتبر هذا الرابط مهما للغاية بالنسبة للمنظمة، حيث أن 40 بالمئة من ميزانية المنظمة قادم من الخارج باستخدام وسائل غير مشروعة مثل الاختطاف أو تهريب المخدرات.

بالنظر إلى دول مثل فنزويلا والبرازيل والأرجنتين، البلدان التي تكون فيها نسبة اللبنانيين أعلى، يتضح أن هناك تمثيلا دبلوماسيا أكبر لإيران. وفي المناطق التي يتركز فيها أكبر عدد من اللبنانيين، يركز حزب الله أنشطته. فعلى سبيل المثال، تُستخدم بعض الأماكن مثل تريبل فرونتير أو جزيرة مارغاريتا من قبل الجماعة اللبنانية لأغراض التهريب والتدريب العسكري. لذلك يوجد صلة مباشرة بين وجود الشتات اللبناني والأنشطة المرتبطة بحزب الله وإيران.

تستخدم إيران اللبنانيين لتمويه أعضاء حزب الله الذين يتم إرسالهم إلى أمريكا اللاتينية لتنفيذ هجمات. كما رأينا من قبل، هذه هي الطريقة التي استخدمتها إيران لإخفاء العقل المدبّر لتفجير مركز آميا سنة 1994. وفي ختام هذا القسم، لابد من الإشارة إلى أننا لا نلوم الشتات اللبناني على وجود إيران في أمريكا اللاتينية، وإنما نُبيّن مدى براعة طهران في العثور على المتواطئين، وقبل كل شيء في إخفاء عملائها بينهم.

المراكز الاجتماعية والدينية والتعليمية

يعتبر السكان المدنيون من الأهداف الرئيسية لإيران. لهذا السبب، تعمل إيران على بناء شبكة واسعة من المراكز الاجتماعية والدينية للتعامل مع السكان في البلدان التي لديها مصالح فيها. والهدف من هذه السياسة ينقسم إلى جزئين. تسعى هذه السياسة من جهة لكسب تأييد الأشخاص المعرضين للخطر أو المستبعدين بشكل مباشر من أجل استخدامهم كسلاح مزعزع للاستقرار ضد الحكومات غير المرتبطة به. ومن جهة أخرى، تسعى إلى إقناع مساعدين بإرسالهم إلى إيران للتلقين أو حتى تدريبهم لارتكاب هجمات في القارة الأمريكية.

هذا هو حال خوسيه ميغيل روخاس إسبينوزا الذي حاول تنفيذ هجومين بالقنابل على سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل في كاراكاس في سنة 2006. وخارج النشاط الإرهابي، نجد أمثلة لمواطني أمريكا اللاتينية الذين تم أسرهم في هذه المراكز وإرسالهم إلى مدينة قم الإيرانية لتدريبهم كقادة دينيين. من بين أمور أخرى، يمكننا تسليط الضوء على شخصيات في هذا الإطار مثل الأرجنتيني محسن علي أو الكولومبي سعيد علي مونتانيو.

المراكز الدينية والاجتماعية الرئيسية التي تروج لها إيران

الأرجنتين
التوحيدالعاصمة الفيدرالية
الإمامكانواليس
الشهيدسان ميغيل ديل توكومان
مسجد مار دل بلاتامار دل بلاتا
تشيلي
مركز الثقافة الإسلاميةلاس كونديس
مركز الإمام المهدي الإسلاميسانتياغو دي تشيلي
الإكوادور
المركز الثقافي الإكوادوري الإيرانيكيتو 
فنزويلا
مركز التبادل الثقافي الإيراني لأمريكا اللاتينيةكاراكاس
المركز الإسلامي الإمام الهاديكاراكاس
كولومبيا
دار أهل البيت للثقافة الإسلاميةبوغوتا
مسجد الرضابوغوتا
أوروغواي
المركز الإسلامي أوروغوايمونتيفيديو
بوليفيا
أهل بيت بوليفيالاباز
نيكاراغوا
المركز الثقافي الإسلامي النيكاراغوي ماناغوا
كوبا
مركز المعصومين الإسلاميهافانا

عادة ما يترأس هذه المراكز قادة دينيون إيرانيون مثل علي رضا ميرجليلي أو هؤلاء المواطنين الأمريكيين اللاتينيين المدربين في إيران الذين تحدثنا عنهم. وسواء كان ذلك أو ذاك، فقد نشر هؤلاء القادة روايات تروج لها طهران بهدف كسب أتباع في أمريكا اللاتينية.

بعيدا عن التصرف بشكل مستقل، يتم دمج هؤلاء القادة الدينيين في سلسلة من المؤسسات الإيرانية يتم تنسيق انتشار رسالتهم منها، مما يعطينا فكرة عن من يقف وراءها. هكذا نجد الهياكل التالية التي تستخدمها هذه المراكز للقيام بعملها:

أ) الندوة العالمية لأهل البيت التي تجمع هؤلاء القادة في طهران كل أربع سنوات. من هنا يتم تحديد خطوط النفوذ الرئيسية في أمريكا اللاتينية.

ب) مدرسة أهل البيت حيث يتم تدريب قادة المستقبل بعضهم مثل الشيخ عبد الكريم باز ولدوا في أمريكا اللاتينية، تم تجنيدهم في هذه المراكز الاجتماعية وإرسالهم إلى مدينة قم للتدريب. من بين معلمي هذه المدرسة، التي أصبحت الآن افتراضية أيا، نجد الشيخ الشهير محسن رباني المسؤول عن الهجمات في الأرجنتين.

ج) يعتبر معهد السلام الذراع الجامعية لإيران في أمريكا اللاتينية وهو مرتبط بجامعة الأديان والمذاهب ومقرها قم في إيران. من بين أساتذته نجد الشيخ عبد الكريم باز المذكور أعلاه وكذلك الأرجنتيني “الشيخ” سهيل أسعد أو الشيخ الكولومبي سعيد علي مونتانيو الذين هم بدورهم جزء من مدرسة أهل البيت.

يتمركز مدير المعهد الشيخ علي رضا ميرجليلي في الإكوادور وكولومبيا والسلفادور ونيكاراغوا. في السابق، كان مسؤولاً عن تدريس اللغة الإسبانية لرجال دين شباب في جامعة المصطفى في قم الذين سيذهبون لاحقًا إلى أمريكا اللاتينية إلى المراكز الاجتماعية والدينية. ويرتبط معهد السلام أيضا بدار النشر “الفارو” حيث نجد قصصًا للأطفال يتم فيها تعظيم شخصية الجنرال سليماني.

د) اعتماد قنوات اتصال مختلفة مثل وكالة أنباء أهل البيت، وإسبان تي في أو قناة بيت الله التي تسعى إلى نشر رسالة إيران في أمريكا اللاتينية. ويعمل الصحفيون المقربون من إيران في هذه الوسائط، مثل روبنسون روبلز في الإكوادور أو روبرتو دي لا مدريد في المكسيك.

صورة
نظام التأثير الاجتماعي والديني الإيراني

كما هو الحال مع السفارات والمغتربين اللبنانيين، فإن المراكز الاجتماعية والثقافية الإيرانية ليست أكثر من أداة أخرى تستخدمها إيران لممارسة تأثير في المجتمع يساعدها على تحقيق أهدافها في أمريكا اللاتينية. وخير مثال على ذلك قصة مواطن كولومبي يحمل لقب دورموت أصبح متطرفًا في المعهد الإسلامي في مقاطعة كوزار، أو قصة مواطن من بيرو يحمل لقب أمادار مرتبط بحزب الله تم اعتقاله في ليما سنة 2014 بتهمة تكديس متفجرات لمهاجمة وفد دبلوماسي.

الاستنتاجات

منذ وصول آية الله الخميني إلى السلطة، وجدت إيران في أمريكا اللاتينية مجالًا مفتوحًا لتمديد ثورتها. اعتمادًا على طبيعة الدولة، تعمل طهران على إنشاء أنواع مختلفة من نماذج العلاقات، بدءًا بالنموذج الثوري مرورا بالنموذج الاقتصادي وصولًا إلى النموذج الثوري الجديد الذي أسست من خلاله وجودها في فنزويلا.

تسمح هذه النماذج لإيران بتحقيق سلسلة من الأهداف التي تتراوح من زيادة نفوذها الدولي إلى غسيل أموال تهريب المخدرات. هذا إلى جانب البحث عن الموارد الطبيعية لبرنامجها النووي أو تجنيد مواطني أمريكا اللاتينية لأغراض إرهابية. كل هذه الإجراءات هي أساس اهتمام إيران ونشاطها في أمريكا اللاتينية.

كان تنفيذ هذه الأنشطة ممكنًا بفضل نموذج لا تزال الوفود الدبلوماسية تمثل قاعدته. تستخدم إيران سفاراتها كقواعد لوجستية تنسج منها شبكاتها والشبكات التي ستعمل لاحقًا على تحقيق الأغراض المذكورة أعلاه. لهذا السبب، ضاعفت إيران في السنوات الأخيرة وجودها الدبلوماسي في القارة الأمريكية، من خمس إلى 11 سفارة. تسمح الحصانات الدبلوماسية التي توفرها هذه السفارات بتجنب ضوابط الشرطة وبالتالي تفسح المجال لأتباعها لممارسة  نشاطها.

في العديد من المناسبات يتم تنفيذ هذه الأنشطة من خلال الشتات اللبناني الواسع في أمريكا اللاتينية. وقد وصل اندماج اللبنانيين في أمريكا اللاتينية لدرجة أننا نجد أحيانًا منهم من يشكلون جزءًا من الحكومات أو من موظفي الخدمة المدنية. تسهّل هذه الخصوصية عمل طهران من خلال وجود طابور خامس داخل دول أمريكا اللاتينية. في المناطق التي يتواجد فيها عدد أكبر من اللبنانيين، مثل الحدود الثلاثية وبارانكويلا وجزيرة مارغريتا وما إلى ذلك، يجد حزب الله الظروف اللازمة للقيام بأنشطته دون إثارة الشكوك.

بالإضافة إلى الإجراءات السياسية والاقتصادية، سعت إيران أيضًا إلى التأثير على المجتمعات للبحث عن مساعدين وتجنيد عناصر. وفي كلتا الحالتين، تلعب المراكز الاجتماعية دورا أساسيا بعضها، مثل المركز الإسلامي الإيراني الإكوادوري، تم إنشاؤه من الصفر في حين أن البعض الآخر مثل المركز الإسلامي في أوروغواي تم “احتلاله” من السنة من أجل القيام بنشاطهم السري هناك. يتم تجنيد مساعدين من هذه المراكز ويتم تدريب العملاء وإنشاء روايات مؤيدة لإيران. وتسعى هياكل مثل معهد السلام للتأثير على المراكز التعليمية الجامعية والتعليم العام الأساسي، وهكذا تنشئ جيل المستقبل من المواطنين القريبين من إيران في أمريكا اللاتينية.

تستخدم هذه الشبكة المعقدة من الموارد المنتشرة على بعد أميال من إيران لتحقيق أهداف السياسة الخارجية في منطقة مثل أمريكا اللاتينية، حيث تصبح عدم المساواة والفقر وخيبة الأمل أفكارًا.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *