• الأربعاء. مارس 5th, 2025

الجزيرة | أصول التقويم الهجري: تاريخ النشأة وأسباب تعايش التقاويم القمرية والشمسية في الإسلام

مارس 5, 2025

منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، اعتمد المسلمون التقويم القمري، الذي كان شائعًا بين العرب قبل الإسلام، ليكون التقويم الرسمي للحضارة الإسلامية. وقد سُمي بالتقويم الهجري نظرًا لاعتماده هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كنقطة بداية له.

صورة | التقويم الهجري
صورة | التقويم الهجري | commons.wikimedia.org

واعتمد التقويم بعد سنتين ونصف السنة من خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في ربيع الأول من عام 16 للهجرة، وكان الأول من محرم من عام 17 للهجرة النبوية بداية أول سنة هجرية بعد اعتماد التقويم الجديد الذي جاء موافقا لقوله تعالى “إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ”. [التوبة: 36]

لقد أشارت الآيات القرآنية إلى الأشهر الحرم، وهي أربعة أشهر قمرية (رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، محرم). وعلى الرغم من أن التقويم الهجري ذو أصل إسلامي، إلا أنه اعتمد على الأشهر القمرية التي كانت معروفة لدى العرب قبل الإسلام. ومع ذلك، فقد تعايشت التقاويم القمرية والشمسية في التاريخ والحضارة الإسلامية.

تجاور التقاويم

م يقتصر استخدام المسلمين على التقويم الهجري فقط، بل استمر التقويم الميلادي في الظهور في مراحل تاريخية مختلفة. ففي العصر العباسي، على سبيل المثال، كان التقويم الميلادي يُستخدم في حساب الضرائب، وذلك لكونه أكثر دقة في تحديد السنوات الشمسية. كما أن بعض المؤرخين المسلمين، خاصة في مصر، كانوا يعتمدون على التقويم الميلادي في كتاباتهم التاريخية، ومن أبرزهم تقي الدين المقريزي الذي كان يؤرخ أحداثه بالتقويم الميلادي، وفي بلاد الشام، اعتمد عدد من المؤرخين البارزين على التقويمين الشمسي والميلادي في أعمالهم.

خلال فترة الدولة العباسية، كانت الدواوين الحكومية، وخاصة ديوان الخراج المسؤول عن جمع الضرائب، تستخدم التقويم الشمسي. وذلك لأن التقويم الشمسي كان يُعتبر أكثر دقة وانتظامًا في التعامل مع المسائل المالية المتعلقة بالضرائب وحساب إيرادات الخراج، مما يسهل عملية التحصيل والإدارة المالية للدولة.

ظل التقويم المصري الشمسي، الذي كان مرتبطًا بشكل وثيق بمواسم الزراعة والحصاد وفيضان نهر النيل، معروفًا في مصر باسم التقويم القبطي. وقد استمر هذا التقويم في الاستخدام حتى يومنا هذا، حيث يعتمد عليه المزارعون في تحديد مواعيد الزراعة والحصاد، ويعتبر جزءًا من التراث الثقافي المصري.

إلى جانب الاعتماد على حركة القمر، برع العرب المسلمون في علم الفلك، حيث طوروا الأزياج، وهي جداول حسابية دقيقة لحركة النجوم والكواكب. وقد كان هذا العلم، المعروف آنذاك باسم علم الهيئة، يهدف إلى تحديد المواقع الفلكية وحساب أوقات ظهور واختفاء الكواكب والشمس. وقد تم تدوين هذه الحسابات في جداول مفصلة، مما ساهم في تقدم علم الفلك في الحضارة الإسلامية.

استنادًا إلى جداول الأزياج، تم تطوير تقويمات علمية متقدمة، تتضمن حسابات فلكية دقيقة واحتمالات مرتبطة بالتقويم الشمسي. وقد تضمنت هذه التقويمات جداول زمنية تمتد لعقود قادمة، مما يشبه إلى حد كبير التقويمات الفلكية الحديثة. وقد ساهمت هذه التقويمات في تلبية احتياجات العلماء والفلكيين في الحضارة الإسلامية.

على الرغم من اعتماد التقويم الهجري كتقويم رسمي في التاريخ الإسلامي، إلا أن ذلك لم يمنع استخدام التقويمات الأخرى لأغراض عملية وعلمية وإدارية. فقد تم استخدام التقويمات الشمسية والميلادية في مجالات متعددة، مثل الزراعة والضرائب والتاريخ، مما يعكس مرونة الحضارة الإسلامية في التعامل مع مختلف الأنظمة الزمنية.

التقويم الهجري: أيام العرب قبل الإسلام وبعده

وحديثا بحث العلامة المصري محمود حمدي الفلكي (1230هـ/ 1815م – 1302هـ/ 1885) -أحد أبرز الفلكيين في العصر الحديث- الزمن عند العرب في رسالته التي سماها “نتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام” (1858م)، فرجح أن أهل مكة كانوا “يستعملون التاريخ القمري قبل 50 سنة من الهجرة” بينما كان أصحاب الحساب يتصرفون في التقديم والتأخير إن أرادوا الحرب في الأشهر الحرم أو أرادوا منعها في غير هذه الأشهر، وفقا لأهوائهم ومنافعهم، ومن هنا جاء تحريم الإسلام للنسيء، لأنهم يحلونه أو يحرمونه كما يشاؤون، ولا يستقيم الأمر على هذا الحساب بعد فرض الصيام والحج في أيام معلومات.

وترتبط 4 أركان من أركان الإسلام الخمسة بالمواقيت والتقويم اليومي والشهري والسنوي، وهي الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكان حساب العرب قبل الإسلام يفتقد لترقيم الأعوام، فسميت السنوات باسم أحداث مهمة مثل عام الفيل وأعوام حرب البسوس، ورغم أن العرب كانوا أمة أمية شفهية، فقد عرفوا أعمارهم وأرخوا أحداثهم بتواريخ مهمة مثل يوم ذي قار المشهود وغيره.

ورغم عموم استخدام العرب للتقويم القمري قبل الإسلام بقرون، لكن أسماء أشهره وترتيبها تعددت حسب ما رأته كل قبيلة.

وقد تسبب ذلك التباين بمشاكل في توقيت الحج إلى الكعبة، وهي ممارسة كان العرب يحرصون على القيام بها بشكل دوري، فتداعى زعماؤهم لتوحيد أسماء الأشهر العربية وترتيبها.

واحتضنت مكة قبل الإسلام اجتماعا ضم سادة قبائل العرب واتفقوا على توحيد أسماء أشهر التقويم القمري.

ويعتمد التقويم العربي -الذي أصبح فيما بعد التقويم الهجري الإسلامي- على حركة القمر، ولذلك يصنف على أنه تقويم قمري.

وفيما يلي شرح لمعاني أسماء أشهر التقويم الهجري:

  • محرّم: (المُحَرَّم الحَرَام) وهو أول شهور السنة الهجرية ومن الأشهر الحرم: سُمِّي المحرّم لأن العرب قبل الإسلام كانوا يحرّمون القتال فيه.
  • صفر: سمي صفرًا لأن ديار العرب كانت تصفر أي تخلو من أهلها فيه للحرب، وقيل لأن العرب كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفر المتاع، فقد كان شهرا معروفا بكثرة الغارات.
  • ربيع الأول: سمي بذلك لأن تسميته جاءت في الربيع فلزمه ذلك الاسم.
  • ربيع الآخر: سمي بذلك لأنه تبع الشّهر المسمّى بربيع الأوّل.
  • جمادى الأولى: كانت تسمى قبل الإسلام باسم جمادى خمسة، وسميت جمادى لوقوعها في الشتاء وقت التسمية حيث جمد الماء وهي مؤنثة اللفظ.
  • جمادى الآخرة: سمي بذلكَ لأنّه تبع الشّهر المسمّى بجمادى الأولى.
  • رجب: وهو من الأشهر الحرم: سمي رجبًا لأنه من الأشهر الحرم وكانت العرب ترجب رماحها فيه أي تنزع النصل من الرمح ويكف الناس عن القتال. وقيل: رجب أي التوقف عن القتال.
  • شعبان: لأنه شِعب بين رجب ورمضان، وقيل سمي شعبان لأن الناس تتفرق فيه ويتشعبون طلبا للماء. وهناك رأي يقول إنه ربما سمي شعبان لأن العرب كانوا يتشعبون فيه ويفترقون للحرب بعد قعودهم عنها في شهر رجب.
  • رمضان: وهو شهر الصّوم عند المسلمين. سُمّي بذلك لرموض الحر وشدة وقع الشمس فيه وقت تسميته، حيث كانت الفترة التي سمي فيها بذلك شديدة الحر.
  • شوال: وهو الشهر الذي يقع فيه عيد الفطر، وسمي بذلك لشولان النوق فيه بأذنابها إذا حملت “أي هزلت وجف لبنها”، فيقال تشوَّلت الإبل: إذا هزلت وجفّ لبنها.
  • ذو القعدة: وهو من الأشهر الحرم: سمي ذا القعدة لأنه أول الأشهر الحرم وفيه تقعد الناس عن الحرب.
  • ذو الحجة: وفيه موسم الحج وعيد الأضحى ومن الأشهر الحرم، وقد سمي بذلك لأن العرب قبل الإسلام يذهبون للحج في هذا الشهر.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *