لم يفاجئ الهجوم الإرهابي الاخير الذي استهدف المدنيين العزل بمدينة “كركوس” قرب العاصمة الروسية موسكو الكثير من المراقبين والمحللين الغربيين بالرغم من الصدمة التي تركها بين أبناء الشعب الروسي وبين عامة الناس خارج روسيا. فقد جاءت التحذيرات الاخيرة التي أرسلها الغرب للكرملين عن قرب استهداف نفس المكان من قبل الجماعات الإرهابية، وان اختلف التاريخ، لتؤكد على يقظة الغرب ومتابعته اللصيقة لقدرات ونوايا تنظيم داعش خراسان الذي أرتكب هذا العمل الجبان.

من هم داعش خراسان..

ولقد تم تأسيس داعش – خراسان في أواخر عام 2014 من قبل بعض المنشقين عن تنظيم القاعدة وبعض المنتمين لحركة طالبان في الباكستان وأفغانستان. وتشير التقديرات الغربية إلى ان عدد أعضاء التنظيم قد يتراوح بين 4000 و6000 عضوا اغلبهم من الطاجيك والأوزبك. ويقدر تقرير للأمم المتحدة صدر عام 2021 ان تنظيم داعش خراسان يضم ما يقارب 2200 مسلحا يتركز اغلبهم في إقليم كونار وننجرهار بأفغانستان. وقد بدأ التنظيم بداية متواضعة لا تطمح إلى ابعد من إقامة دولتهم الإسلامية المزعومة في إقليم خراسان الذي شمل تاريخيا أفغانستان، باكستان، إيران وأجزاء من بعض دول وسط آسيا. ولكن وبعد تراجع وانهيار تنظيم داعش الام في سوريا والعراق، سرعان ما تغيرت طموحات تنظيم داعش خراسان المتواضعة فصارت أكثر تشددا وعنفا تسعى لتصدير إرهابها للخارج.

إرهاب بلا حدود..

ولا يعد هجوم موسكو الإرهابي رغم بشاعته والذي راح ضحيته أكثر من 135 قتيل وعشرات المصابين اسوأ ما أقدم تنظيم داعش خراسان على ارتكابه من عمليات إرهابية في الأعوام الاخيرة. فقد تصدر تنظيم داعش، الذي اشتهر بدمويته وميوله لاستخدام العنف غير المبرر لاستهداف وقتل المدنيين العزل، قائمة التنظيمات الأكثر دموية والمسؤولة عن ثلث ضحايا الإرهاب بالعالم في عام 2022. كما أتت تفجيرات مطار كابول في 2021على رأس العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم والتي خلفت أكثر من 170 قتيلا من الأفغان و13 من القوات الامريكية التي كانت تشرف على عملية انسحاب القوات الامريكية من افغانستان. كما قام التنظيم في يناير 2024 بقتل أكثر من 100 من الأبرياء بعد استهدافه لحشد من المدنيين العزل في إيران. وقد أقدم التنظيم على القيام بعدد غير قليل من العمليات الأقل إراقة للدماء وعلى رأسها استهداف السفارة الروسية في كابول في عام 2022 وعدد غير قليل من الهجمات الأخرى ضد المدنيين واعضاء طالبان في الباكستان وأفغانستان.

لماذا موسكو..

ويعتقد أن هجوم داعش خراسان الأخير قرب موسكو يأتي في إطار رفض التنظيم للتدخل الروسي الدائم في شؤون المسلمين في سوريا، أفغانستان والشيشان. فقد انتقد داعش – خراسان مرارا وتكرارا موقف روسيا من الحرب السورية ومساندتهم السياسية والعسكرية الغير مشروطة لنظام الأسد ضد الجماعات الإسلامية ومن بينها داعش. كما دأب التنظيم على أدانة الدعم والتقارب الروسي مع جماعة طالبان خاصة بعد عودتها إلى السلطة عقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

ولا تعد الرغبة في الانتقام هي الدافع الوحيد خلف ارتكاب داعش لتلك العمليات الإرهابية. فإن داعش – خراسان يأمل ان تضع تلك الهجمات التنظيم على خريطة الاعلام العالمي وهو ما سينعكس إيجابيا على عمليات التمويل والتجنيد خاصة في دول وسط وجنوب آسيا. ويعتقد تنظيم داعش – خراسان كذلك ان الهجمات الإرهابية التي تستهدف مصالح الغرب وروسيا سوف تعمل على زيادة قبوله بين مؤيدي طالبان وبعض المسلمين الذين يرون ان روسيا سبب رئيسي للفقر والاضطهاد الذي يعيشونه الآن.